نظام الثنائية الحزبية
هو النظام الذي
يهيمن فيه حزبان رئيسيان على كل الأصوات في كل انتخابات تقريبا، وعلى كل مستويات
الحكومة، ونتيجة لهذا فإن كل المناصب، تقريبا تكون للحزبين[1].
وبذلك يستطيع احد الحزبين تولي السلطة بمفرده، وتشكيل وزارة متجانسة لا تقوم على
ائتلاف معيب. في حين يضطلع الاخر بمهام المعارضة بنجاح وجدية، ويمكنه الحلول محل
الحزب الحاكم في حالة تركه للسلطة[2].
نظام الثنائية الحزبية |
والناخبون في ظل هذا
النظام يستطيعون القيام بتحكيم شخصي، للاختيار بين حزبين و سياستين، و أحيانا بين
فريقين قياديين، أحدهما يمسك زمام السلطة والحكومة، والأخر يشكل حكومة الظل أو
حكومة مضادة[3].
من تم، فالحزب الذي
يحصل على الأغلبية في الانتخابات هو الذي يحكم، ويوجد هذا النظام في الدول التي
يوجد فيها حزبان وحيدان، أو على الأقل حزبان رئيسيان.
و نشير هنا الى
النموذج الحزبي بالولايات المتحدة الامريكية، حيث يتواجد عدة أحزاب، لكن عمليا
يسيطر الحزب الجمهوري والديمقراطي. وكذلك الحال في إنجلترا حيث يهيمن حزبان كبيران
الا وهما حزب العمال وحزب المحافظين[4].
كما يلاحظ انه في
الدول التي تأخذ بالثنائية الحزبية، تكون سياسات وأيديولوجيات هذين الحزبين
متقاربتين بشكل كبير، فالتناوب بين الحزبين لا يكون تناوب بين ايديولوجيات
متعارضة، بل تناوبا للسلطة بين برنامجين بينهما كثيرا من القواسم المشتركة، بحيث
أن تبدل الحكومة لا يغير كثيرا في سياسة الدولة الداخلية والخارجية[5].
إذا كان نظام
الثنائية الحزبية يؤدي الى هيمنة حزب واحد على الأغلبية البرلمانية و الحكومة،
وعلى العمل التشريعي، وتحويل البرلمان الى غرفة تسجيل، فإنه يقدم مجموعة من
المزايا، فإضافة الى تعبيره تعبيرا حقيقيا عن إرادة الناخبين، و ضمانه لاستمرار
علاقة مباشرة بين النواب والناخبين، وتحقيقه لتقديم خيارات واضحة أمام الناخبين.
فإنه يسمح كذلك بتحقيق الاستقرار الحكومي، وتناوب واضح وسلس على السلطة[6].
كما انه يحقق مبدأ
التضامن بين أعضاء الحكومة، على اعتبار أنهم ينتمون الى نفس الحزب، ما يخلق
انسجاما حكوميا، الامر الذي يبقيها في الحكم سنوات طويلة، بشكل يمكنها من تنفيذ
المشاريع البعيدة ، مع الشعور التام بالمسؤولية السياسية داخل البرلمان.
أن هذا التجانس،
ينعكس إيجابيا على رئيس الحكومة الذي يصبح هدفه الأول والأخير هو تحقيق الوعود
التي قطعها الحزب على نفسه لجمهور الناخبين في إطار السياسة العامة للدولة، وليس
التفرغ لجمع شتات الائتلاف الحكومي.
وفضلا عن تحمل الحزب
للمسؤولية السياسية داخل المؤسسة التشريعية، واكتساب المرونة الواسعة في المنافسات
داخل الحزب وخارجه، فإن نظام الحزبين يدفع المعارضة الى اتباع سياسة واقعية[7].
فالثنائية الحزبية،
تعفي المشهد السياسي والفاعلين فيه من مجموعة من الشوائب السياسية التي تشتت
انتباه الفاعل السياسي، وتشغله بسفاسف الأمور، عن الأمور الكبيرة والواضحة ذات
البعد الاستراتيجي التي تحقق تحولات هيكلية في الدولة.
بالتالي، فالثنائية الحزبية " هي عربون على
الاستقرار، وأداة للدمج الاجتماعي والشرط الضروري لتحقيق عملية التناوب التي تعتبر
" التغيير المنتظم والهادف للفرق الحاكمة "[8].
حيث لا يتيه المواطن في كل محطة انتخابية بين عدد الأحزاب وبرامجها المختلفة
والمتشابهة في ان، ما يصعب معه تحديد الخيار السياسي نتيجة غياب الوضوح في توجهات
وبرامج الأحزاب السياسية المختلفة والمتنوعة، قد تدفع الفرد للعزوف. و من تم، فإن،
" نظام الثائية الحزبية تعبيرا عن النضج السياسي ومدعاة للاستقرار السياسي
"[9].
مع ذلك لا يخلوا
نظام الثنائية الحزبية من مؤاخذات تسجل عليه، حيث يلحق غبنا بالأحزاب الأخرى التي
لا تأتي في المراتب الأولى في الانتخابات، كما انه لا يعبر عن المجموع الحقيقي
للاتجاهات المختلفة داخل الرأي العام.
مثلما يؤاخذ عليه
كذلك، إمكانية اطمئنان الحزب الحاكم الى الأغلبية البرلمانية، مما قد يدفع الى
الاستبداد، فالثنائية الحزبية " تفسر الاختيارات السياسية التي يتبناها الرأي
العام من خلال ما يواجهه من قضايا مصيرية حساسة "، لكنها أيضا تدفع بمختلف
الميول و الامزجة الى الالتفاف حول قطبين سياسيين، إن لم يكونا متناقضين فهما
مختلفان[10].
ووضع جيوفاني
سارتوري معايير يجب توفرها حتى يمكننا القول بأننا بصدد نظام ثنائية حزبية ، و هي أن يكون لدينا :
-
حزبين لهما إمكانية
التنافس على الأغلبية المطلقة للمقاعد
-
الحزبين معا
يستطيعان الحصول على اغلبية برلمانية كافية
-
كلا الحزبين له
الرغبة في ممارسة السلطة لوحده
-
التناوب على السلطة
من طرف الحزبين،[11]
لأن غياب هذا التناوب يجعلنا امام نظام الحزب المسيطر وليس ثنائية حزبية
كما تعرف بعض
الأنظمة ثنائية متميزة عن الثنائية الحزبية، الا وهي الثنائية القطبية. حيث يقع
استقطاب شديد داخل المشهد الحزبي، بحيث يتشكل لدينا قطب يميني واخر يساري ووسط
مملوء أو فارغ.
حيث تعرف الحياة
السياسية سيطرة قطبين حزبيين على المشهد السياسي، مثلما عرفته فرنسا في الانتخابات
التشريعية لمارس 1978، وفي يونيو 1981 بين قطبي اليمين واليسار.
ومثلما شهدته
المانيا الاتحادية بين سنة 1969 وسنة 1982، من خلال تحالف الاشتراكيين
الديمقراطيين الاحرار و تحالف المسيحيين الديمقراطيين الى غاية خروج حزب الاحرار
من التحالف الذي كان يربط بالاشتراكيين الديمقراطيين سنة 1982[12].
فالثنائية القطبية
غالبا ما ترتبط بالأيديولوجية، فاليمين مساند لنظام الحكم ، المتبني لأطروحته
السياسية الداعية للحفاظ على الوضع القائم وتطويره عند الضرورة وفق مصلحة النظام.
أما اليسار الرافض
للوضع القائم الداعي الى تبني سياسات عمومية اجتماعية لصالح الجماهير، مدافعا عن
حقوقهم، داعيا الى ترسيخ المساواة والتوزيع العادل للثروة.
فاليسار مر من
الشيوعية ذات المنهج الثوري الى الاشتراكية المعتدلة التي قبلت بلعبة صناديق
الاقتراع.
لكن مع سقوط جدار
برلين، سقطت الأيديولوجيا أجزاءا متناثرة أمام تصاعد الرأسمالية الليبرالية الى
قمتها مع أطروحة نهاية التاريخ، لكن التاريخ نفسه فند هذه الاطروحة وأثبت أنه
مستمر مع الدولة الحديثة في ظل التعددية القطبية.
لكن الثنائية القطبية
تنحو مع جيوفاني سارتوري، الى تعددية قطبية في تغير استراتيجي للأنظمة
الحزبية، ووضع سارتوري مؤشرات دالة على هذه التعددية، نذكر منها :
-
تواجد أحزاب مناهضة
للنظام القائم،
-
وجود معارضة ثنائية،
فالمعارضة الأحادية يمكن أن تشكل بديلا للحكومة القائمة، لكن في نظام التعددية
القطبية لدينا معارضتين لا يتصور تحالفهما، أو توحد قواهم، لأن لهم مبادئ مختلفة،
-
كما أن التعددية
القطبية تتميز بتموقع حزب أو مجموعة أحزاب في الوسط
( حزب او أحزاب وسط) كما يطرح السؤال حول هذا الوسط هل هو موحد أم
مجزأ؟ فإذا كانت أحزاب الوسط من اليمين واليسار، فإنه يمكننا أن نقول أننا أمام
تفاعلات ثلاثة اقطاب بدل إثنين،
-
كما أن تموقع أحزاب
في الوسط هو ليس نتيجة فقط، بل سبب للثنائية القطبية، لأنه إذا كان الوسط مملوءا
فليس للأحزاب الأخرى غير الركون الى الأطراف ( يمين/يسار)،
-
كما أن من ملامح
التعددية القطبية، إضعاف أحزاب الوسط لصالح الأقطاب المتطرفة يمينا ويسارا خاصة
على مستوى نتائج الانتخابات،
-
عندما تكون
الأيديولوجية منتشرة بشكل كامل في التنظيم السياسي الذي يظم أحزاب تتعارض ليس فقط
حول السياسة، ولكن أيضا وبشكل عميق حول المبادئ والمرجعيات،
-
حضور معارضة غير
مسؤولة، هذه الخاصية مرتبطة بالطريقة الخاصة بتجديد الحكومات المعتمدة على أحزاب
الوسط [...] و إبعاد اليمين واليسار المتطرف، حيث تصبح فرصهم في المشاركة في الحكم
ضئيلة جدا، حيث أن معارضتهم تصبح غير ذات جدوى، ومن تم يهملون الوظيفة
المعارضاتية.[13]
بسط سارتوري
مجموعة من النماذج الدالة على نظام التعددية القطبية من قبيل جمهورية ويمر Weimer حيث حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على 37,9% من الأصوات،
والحزب الديمقراطي الألماني على 18,6% ، وأحزاب الوسط (الكاتوليك) على 19,7% وباقي الأحزاب حصلت على نِسب ضعيفة مختلفة.[14]
هكذا، فالقطبية
السياسية تشكل عناوين كبرى للتموقع الحزبي، والخريطة الحزبية داخل نظام سياسي
معين، تحدد بشكل جلي توجهات الأحزاب الأيديولوجية.
و إذا كانت الثنائية
الحزبية تشكل شكلا بسيطا للتنظيم الحزبي، فإن التعددية الحزبية تعرف تعقيدات جمة،
يستحيل معها توقع سلوك الأحزاب والمواطن على حد سواء خلال المحطات الانتخابية
وعقبها.
1- نصر محمد علي الحسيني ، النظام
الحزبي و أثره في اداء النظام السياسي للولايات المتحدة الامريكية(دراسة حالة
الحرب على العراق 2003)، اطروحة دكتوراه، جامعة النهرين، قسم النظم
السياسية والسياسات العامة، 2012، ص: 16.
4- محمد زين الدين، القانون الدستوري
والمؤسسات السياسية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط:3، 2016، ص: 228.
5- ابراهيم ابراش، المؤسسات والوقائع
الاجتماعية من شريعة الغاب الى دولة المؤسسات، نشر منشأة المعارف الاسكندرية، 2005
، ص: 295.
6- محمد الرضواني، ، مدخل الى علم السياسة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،ط:2، 2015، سلسلة بدائل قانونية وسياسية ، ص: 136-137.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق