التعددية الحزبية
إن التعددية الحزبية
رمز واضح لمجتمع يتقبل الاختلاف والتنوع في مختلف المجالات، وعلى الواجهة السياسية
يتميز بوجود عدة أحزاب، تعكس كل منها منهج معين في تدبير دفة الحكم، وحتما يشكل
التنوع مشتلا للأفكار السياسية، وتعدد في الحلول المقترحة لتحديد أولويات الدولة
الاستراتيجية.
نظام التعددية الحزبية |
لدى يجب أن تقوم جميع الأحزاب السياسية على أساس قبول مبدأ التعايش السلمي فيما بينها، وفق المنهج الديمقراطي، وتمسكا بمبدأ حرية الرأي. ولا يسمح بقيام أحزاب ترفض ذلك، لأن الحفاظ على الديمقراطية، وتأمين مستقبلها يقتضي عدم السماح بقيام أحزاب ذات صبغة دكتاتورية، تقوم على أساس مذاهب شمولية واستبدادية معروفة، وذلك كالحزب الشيوعي، الذي إذا وصل الى الحكم قام- تطبيقا لمذهبه- بالقضاء على جميع الأحزاب الأخرى والتنكيل بها بطريقة رسمية أو فعلية[1].
بالتالي فالتعددية الحزبية هي اقرب النظم الحزبية الى الديمقراطية، لأنه يعطي الحق
لأي تجمع في التعبير عن نفسه من خلال حزب يخاطب الرأي العام ويدخل في منافسة مع
بقية الأحزاب للوصول الى السلطة أو المشاركة فيه [...] فالتعددية الحزبية تعني
وجود ثلاثة أحزاب أو أكثر في الساحة السياسية، يتميز بأيديولوجية أو عقيدة أو
انتماء او برنامج خاص به يبرز تميزه عن غيره من الأحزاب، وأحيانا لا يكون التمايز
بين هذه الأحزاب على الأسس المشار إليها، بل يرجع فقط الى شخصية زعيم الحزب[2].
وتنعكس طبيعة النجام
الحزبي التعددي على طريقة تشكيل الحكومة، التي تكون بحكم نتائج الانتخابات خاضعة
لمنطق التحالفات الحزبية لتشكيل الحكومة، لصعوبة حصول حزب واحد على الأغلبية
الواجبة لتشكيل الحكومة بمفرده. وإذا تحقق هذا الامر فإننا سنكون بصدد حزب مهيمن
وليس تعددية حزبية، التي تستوجب وجود أحزاب قوية قادرة على المنافسة.
ولتتحقق التعددية
الحزبية لابد لها من سند قانوني، بمعنى أن " هذا النظام يوجد في الدولة التي
تقر قوانينها بوجود أكثر من حزبين على الأقل، تتنافس فيما بينها للسيطرة على السلطة
السياسية، وقد يحصل كل منها على عدد معين من المقاعد في السلطة التشريعية، لكنه من
الصعب لأي منها أن يقوم بمفرده بالحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل السلطة
التنفيذية[3].
لذلك يلجأ الحزب
المكلف بتشكيل الحكومة الى البحث عن تحالفات مع أحزاب أخرى لتشكيل الحكومة، وأن
هذه التحالفات الهشة والظرفية في الغالب، قد تكون تحالفات انتخابية تتبلور في فترة
إجراء الانتخابات، ولاسيما في الدول التي تتبنى النظام الانتخابي في دورتين، إذ
تلجأ الأحزاب الى التحالف في الدور الثاني[4].
إلا أن تعدد الأحزاب
قد يؤدي الى ضرب الديمقراطية والاضرار بالمجتمع إذا زادت التعددية عن المعقول،
وإذا قامت هذه التعددية على أسس عرقية أو قبلية أو طائفية مما يهدد وحدة المجتمع
وتماسكه، وهذا ما يجري في العديد من دول العالم الثالث الذي فهم بعضها التعددية بشكل مغلوط. فقامت
أحزاب وصل عددها الى العشرات في البلد الواحد[5].
كما يعاب عليها
كذلك، أن " تعدد البرامج الحزبية يؤدي الى تشتت الخيارات أمام الناخبين، كما
أن هشاشة التحالفات وتغيرها لا يساعدان على الاستقرار الحكومي، إضافة الى أن
استحالة تكوين الحكومة من طرف حزب واحد يجعل الأحزاب تركن الى الديماغوجية
والمزايدات السياسية[6].
مع ذلك فإيجابيات
هذا النظام الحزبي تبقى متنوعة :
1- لعل أهم المبررات العملية و الدواعي النفعية للأخذ
بنظام تعدد الأحزاب السياسية أنه يمكن من اتباع أسلوب الحوار الديمقراطي في السعي
الى أفضل الحلول المتاحة للمشاكل العامة [...] بإلقاء مزيد من الضوء على الجوانب
المختلفة للمشكلة، كما يسمح ببيان المزايا والعيوب المرتبطة بكل حل يمكن تقديمه
لعلاج المشكلة موضوع البحث [...] وهو ما لا يمكن أن يحدث إذا انعدم الحوار وساد
تسلط الاتجاه الواحد.
2- أن تعدد الأحزاب يجسد وينظم تعدد الأفكار وتغاير
الاتجاهات، ويؤكد حرية الفكر والرأي [...] والاختلاف بين الناس أمر طبيعي جبلوا
عليه.
3- وجود الأحزاب يسمح للمعارضين لسياسة الحكومة
بالعمل العلني المشروع الموصل الى السلطة او الدفاع عن الاتجاهات التي يفضلونها بدل
الاختيار المر بين الطاعة العمياء والثورة الهوجاء
4- تعدد الأحزاب يسمح بوقف تسلط الحكومة ومقاومة
تجاوزاتها وطغيانها واعتدائها [7]على
حريات الافراد [...] و لأحزاب المعارضة قوة تستطيع أن تقف بها في مواجهة انحراف
السلطة التنفيذية، ويتحقق بها المراد
الحقيقي من مبدأ الفصل بين السلط، وهو " أن السلطة توقف السلطة "
5- تعدد الأحزاب يسمح بتكوين القادة السياسيين على
اختلاف اتجاهاتهم تكوينا يصعب تحققه في حالة عدم تعددها
6- الأحزاب السياسية تقوم بدور هام في تكوين الرأي
العام، وتوجيهه الى ما ترى فيه مصلحة البلاد
7- الأحزاب تتولى التعبير عن رغبات الجماهير، وإبراز
مشاكلهم ومطالبهم بطريقة قوية يصعب تحقيقها بواسطة المواطنين فرادى
8- الأحزاب تساهم في سير العملية الانتخابية،
والتعبير عن أصوات الجماهير وتجميعها من أجل مساهمة أكبر في التصويت و إبداء الرأي .
ومن الأنظمة السياسية البارزة بقوة في تبني نظام
التعددية الحزبية نجد سويسرا و فرنسا و ألمانيا...، ففي النظام السياسي الألماني
كانت الأحزاب الممثلة في البرلمان الألماني، البوندستاغ حتى سنة 1983 هي
ذات الأحزاب التي شكلت أول برلمان ثم انتخابه سنة 1949، وهي أحزاب الاتحاد المسيحي
والحزب الديمقراطي الحر والاتحاد المسيحي الاجتماعي، وكلها تنمي لعائلة الأحزاب
الأوروبية المسيحية التي تمثل كافة أنحاء ألمانيا تحت اسم " الاتحاد
الديمقراطي المسيحي " باستثناء ولاية "بايرن" كما أن هناك أحزاب
أخرى كحزب الخضر والحزب اليساري[8].
ولا يسعنا إلا القول بأن نظام التعددية الحزبية
الى جانب الأنظمة الحزبية الأخرى، باستثناء نظام الحزب الوحيد، قد ساهموا بشكل
كبير في تكريس المنهج الديمقراطي في نظام الدولة المعاصر، حيث شكلت الأحزاب
القنطرة التي أوصلت الشعب لممارسة السلطة والمشاركة فيها، عبر المساهمة في تأطير
المواطنين والرفع من وعيهم السياسي.
فإن كان لا مراء بان لهذه الأنظمة الحزبية عيوبا،
فإن التقليص منها رهين بالفاعل السياسي الذي كلما ارتفع وعيه السياسي وزاد حسه
الديمقراطي، وصدقت وطنيته، إلاّ ووجد في أي نظام حزبي، وسيلة فعالة لتحقيق التنمية
عموما، والتنمية السياسية على وجه الخصوص.
فالشرط الإنساني يبقى هو الفيصل في مثل هذه
التحديات المحكومة بصراع السلوك العقلاني المتزن وهوى النفس ونوازعها.
فبغض النظر عن الاليات الديمقراطية على أهميتها،
يبقى الانسان هو الذي يحكم على أي نظام بالنجاح أو الفشل.
فنظام الحزب الواحد قد يحمل معه حاكما مستنيرا، والتعددية الحزبية قد تشكل لوحة فسيفسائية متناسقة لتنوع
المجتمع وغناه السياسي.
2- إبراهيم ابراش، المؤسسات والوقائع
الاجتماعية من شريعة الغاب الى دولة المؤسسات، نشر منشأة المعارف الإسكندرية، 2005،
ص: 295 – 296.
3- محمد زين
الدين، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار
البيضاء، ط:3، 2016، ص: 229.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق