الأحد، 13 يونيو 2021

حقوق الانسان،l المؤسسات غير الرسمية المدافعة عن حقوق الإنسان


المؤسسات غير الرسمية المدافعة عن حقوق الإنسان

لقد تطور دور المجتمع المدني من المطالبة بالاستقلال الى جانب أعضاء الحركة الوطنية، الى المطالبة بالمجتمع الديمقراطي الحقوقي الذي يحترم الحريات في ابعادها الكونية.

المطلب الأول : تطور المؤسسات غير الرسمية

تعرف المنظمات غير الحكومية على أنها " هيئات أخذت بمبادرة خاصة أو مختلطة بجمع اشخاص ذاتيين أو معنويين من جنسيات مختلفة، وقد تتخذ طابع جمعية مؤسسة حسب القانون الداخلي وفيدرالية لمجموعة من الجمعيات...[1] وتعد المؤسسات غير الرسمية حسب الدكتور ادريس جردان في كتابه " مبادئ أساسية في حقوق الانسان" هي " مختلف الجمعيات الحقوقية وفروع الجمعيات والمنظمات الدولية التي تتدخل في مجال حقوق الانسان، ونشر ثقافة حقوق الانسان".

المؤسسات غير الرسمية المدافعة عن حقوق الإنسان


الجمعيات في المغرب تجد أساسها القانوني في الميثاق الملكي الصادر على شكل ظهير رقم 1.58.376 بمثابة قانون الحريات العامة بتاريخ 15 نونبر 1958.يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات المدنية منها والسياسية، وبقي الامر كذلك حتى مجيئ قانون الأحزاب السياسية رقم 36-04 الذي اصبح المرجع القانوني لتأسيس الجمعيات/ الأحزاب السياسية بالمغرب.

في الفترة التي تلت صدور الإعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1948، وضعت الأمم المتحدة اطارا اقره المجتمع الدولي، يتضمن المعايير التي تمثل الحد الأدنى لحماية حقوق الانسان، ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الانسان جزء من القانون الدولي المتعارف عليه، وعلى الدول ان تلتزم بهذه المعايير الدولية الدنيا لحماية حقوق الانسان. وخلال تلك الفترة التي كان فيها العالم الثالث يقاوم الاحتلال، والثورة مشتعلة في كل مكان[...]نال المغرب استقلاله السياسي، وقد برز دور المجتمع المدني والحركة الوطنية ورمز البلاد الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله حين أجمعوا في مختلف الظروف التي عرفها المغرب على التحرير والتوحيد، الذين ناضلوا دون هوادة للحفاظ على كرامة المغرب وحقوق شعبه[...] فاستطاع المغرب بمجتمعه المدني أن يتغلب على الصعاب و أن يدلل المشاكل و أن يستعيد سيادته المغصوبة وكرامته الحقوقية المسلوبة[2].

فالمجتمع المدني المغربي قد رأى النور على القضايا السياسية المرتبطة بخضوع المغرب لظاهرة الاستعمار الفرنسي، إلا أنه بعد الاستقلال سينخرط في المطالبة بالمجتمع الحداثي الديمقراطي المبني على احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية ثم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، مع تنامي اهتمام المؤسسات الدولية والإقليمية ودعوتها للدول أعضاء هيئة الأمم المتحدة لإيلاء ملف حقوق الانسان، العناية الكاملة، باعتباره شرطا للأمم المتحضرة ولبناء المجتمعات الديمقراطية.

" إن مؤسسات المجتمع المدني و إن كانت أغلبها تابعة لأحزاب سياسية وتتبنى ايديولوجيات معينة، فإنه جاء على الأقل بعضها كرد فعل للأحزاب السياسية التي لم تستطع خلال نضالها الطويل، أن تشق طريقا و أن تدافع فيه عن الحقوق والحريات العامة، بقدر ما كان اهتمامها منصبا طوال تاريخها على الوصول الى السلطة والتنافس في ذلك فيما بينها من جهة، وبين السلطة الحاكمة من جهة أخرى. إن أزمة الأحزاب السياسية في تكريس مبادئ حقوق الانسان والدفاع عن الحريات العامة للمواطنين أدى الى ظهور المنظمات الحقوقية لتحمل على كاهلها واجب الدفاع عن الحقوق والحريات. إن هذه المنظمات والتي كانت لفترة كبيرة على هامش الحدث السياسي بدأت تمارس ضغوطا وتؤدي عملا متميزا اكسبها ثقة المواطنين و أسبغ عليها نوعا من التقدير والاحترام من طرف مكونات المجتمع المدني كله[3].

فالصراع السياسي الذي خاضته الأحزاب السياسية مع النظام المغربي حول السلطة غيب الى الوراء المطالبة من قبلها بالحقوق والحريات واقتصرت المعركة السياسية على الاستحواذ على السلطة وممارستها، وفي خضم هذا المعترك ثم تسجيل العديد من الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة في حق الحريات العامة وحقوق الانسان خاصة في الفترة المسماة بسنوات الرصاص.

مع انتهاء الصراع لفائدة النظام المغربي، والمؤسسة الملكية. بدأت الدولة المغربية تعي الدور السياسي المتنامي لمجال حقوق الانسان والحريات على مكانتها الدولية، " يتجلى هذا في انخراط المغرب في مسلسل المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان، وكذا من خلال مجهودات الملاءمة بين القوانين والتشريعات الداخلية ومقتضيات هذه الاوفاق الدولية.

ذلك أن عدم مصادقة دولة و انخراطها في كونية حقوق الانسان وعالميته يزيد من عزلتها و يمس هيبتها ومصداقيتها دوليا، إذ لم تعد رهينة المفهوم الضيق للسيادة الوطنية. وهكذا صادق المغرب على عدد من الاتفاقيات بدون تحفظ، و أبدى تحفظات على بعض الفصول من اتفاقيات أخرى [4]، لأجل الاندماج في المنظومة الدولية بشكل يسمح له بالإفادة من الشهادات الدولية( منظمات، دول) في مجال حقوق الانسان، الامر الذي يخوله وضعا سياسيا متميزا على الساحة الدولية، حيث يعد احترام حقوق الانسان والحريات شرطا لازما للمعاملة السياسية الجيدة من قبل الدول والمنظمات الدولية.

لدى " فخطاب حقوق الانسان ومشروعه الكوني لقي تفاعلا  طيبا من طرف الدول بعد انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة والترويج لنشر قيم ومبادئ السلم والتعاون الدولي "[5].

لذلك عمل المغرب على طي ملف حقوق الانسان و التصالح مع ماضيه، خاصة وانه يوظف من طرف خصوم الوحدة الترابية لتحقيق مكاسب سياسية واضعاف موقف المغرب امام المقررين الدوليين بتوظيف هذا الملف لكسب نقاط على المستوى الدبلوماسي تؤثر على معالجة ملف الصحراء المغربية.

وقد ابرزت الدساتير المغربية تشبت المملكة بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا،

 " كما أن الملك محمد السادس أشار في خطاب ملكي الى أن دستور 2011 سيكون دستور حقوق الانسان"[6].

طيلة هذه المسيرة ثم تأسيس العديد من المؤسسات الغير الرسمية المدافعة عن حقوق الانسان والحريات الأساسية نذكر منها:

-         العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الانسان ( 1972 )،

-         الجمعية المغربية لحقوق الانسان ( 1979 )،

-         لجنة الدفاع عن حقوق الانسان ( 1992 )،

-         منظمة العفو الدولية، فرع المغرب-أمنستي ( 1994 )،

-         المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف ( 1999 ).

إضافة الى مجموعة من الجمعيات منها المتمتعة بصفة المنفعة العامة ومنها غير ذلك[7].

هذه الهيئات وغيرها ساهمت في التعريف بالحريات العامة و حقوق الانسان، ومن ثم دفع الشرائح الاجتماعية للمطالبة بها في إطار دولة الحق والقانون.

المطلب الثاني : دور المؤسسات غير الرسمية في الدفاع عن حقوق الانسان

يلعب المجتمع المدني دورا هاما في التحسيس بالحقوق والحريات الفردية والجماعية التي تهم المجال السياسي والمدني، ثم المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،  عبر مجمل الأنشطة التي تسهر على تنظيمها لفائدة الشرائح الاجتماعية والعمرية المختلفة.

حيث " تشارك هذه المنظمات في تخصيب النقاش حول العديد من القضايا الحقوقية، كالعلاقة بين الإدارة والمواطنين، وقضية السجون، ومشكل القضاء، وملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية، وانتهاكات حقوق الانسان، وتركة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وما يرتبط بذلك من إشكالات و قضايا كموضوع الإفلات من العقاب وتعويض ضحايا الانتهاكات و أسرهم.

وقد أثمرت تحركات الهيئات الحقوقية الوطنية بعض النتائج الإيجابية، ففي التسعينات اتخذ الملك الحسن الثاني عدة مبادرات لتحسين أوضاع حقوق الانسان، وفي العام 1998 أصدر المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، بطلب من الملك، قائمة بأسماء بعض " المختفين " و في نفس السياق بادر جلالة الملك محمد السادس فور توليه العرش، وتحديدا في غشت 1999، الى الإقرار بشكل ضمني بمسؤولية الدولة في حوادث " الاختفاء " و أحدث " لجنة تحكيم " لتعويض ضحايا الاختفاء والاعتقال القسري.

وقد قوبل اعتراف المغرب بمسؤولية الدولة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والتزامه بدفع تعويض الى بعض الضحايا بالترحيب من طرف معظم الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية، غير ان لم يمنع هذه الهيئات من مواصلة تحركاتها الضاغطة من أجل إنشاء " لجنة للحقيقة " يعهد لها بشكل رسمي، بفتح تحقيقات و تحريات شاملة وكشف الحقيقة حول الانتهاكات والمسؤولين عن ارتكابها ومحاسبتهم والتعجيل بالقيام بالإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسساتية اللازمة للقطع مع الممارسات المنافية للقانون والطي النهائي لماسي وانتهاكات الماضي على أساس العدالة والانصاف.[8]

بذلك استطاعت المؤسسات غير الرسمية طيلة عقود تحقيق ذلك التراكم السياسي الكفيل بإخراج مجموعة من الإصلاحات التي جاءت كضمانات قانونية ومؤسساتية لتكريس الحقوق والحريات والرفع من القيمة الاعتبارية للمواطن المغربي في ظل نظام الدولة الحديثة، الامر الذي استتبعه الرفع من القيمة المعيارية للدولة المغربية في المنتظم الدولي الذي وضع شرط احترام حقوق الانسان من بين الضوابط القمينة بتموضع أي دولة في مصاف الدول المتحضرة وفق المعايير الغربية القائدة للعالم اليوم.

" لذلك بات دور المنظمات غير الحكومية في تعزيز حقوق الانسان على الصعيد الدولي والإقليمي والوطني موضع اعتراف المجتمع الدولي على نطاق واسع. وتساهم المنظمات الغير الحكومية بشكل ملموس في برنامج الأمم المتحدة لحقوق الانسان،  كما أنها تشارك بفعالية في مؤتمرات رئيسية في مجال حقوق الانسان، وتعتبر مصدرا فريدا للمعلومات، وتساعد في تحديد وصياغة المعايير الدولية الجديدة، وتسعى للحصول على تعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الانسان كما تلعب دورا هاما في تعزيز التربية على حقوق الانسان وخصوصا على المستوى الغير الرسمي.

وتعتبر العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية نشطة جدا في مجال حقوق الانسان، ويحق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة ECOSOC أن يتشاور مع المنظمات غير الحكومية التي تتعامل في مجالات اختصاصه[...] وقد اعترف المؤتمر العالمي لحقوق الانسان ( 1993 ) بأهمية دور المنظمات غير الحكومية في تعزيز مختلف حقوق الانسان والأنشطة الإنسانية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.[9]

 وبالتالي، أصبحت تشكل الهيئات غير الرسمية رافدا من روافد حقوق الانسان عبر التقارير السنوية التي تصيغها حول أوضاع حقوق الانسان ، والتي تعمل من خلالها على فضح الانتهاكات التي تمس حقوق الانسان والحريات الأساسية ما يشكل ضغطا مباشرا على الدول أمام المنظمات الدولية المعنية بشؤون حقوق الانسان، خاصة وأن هذه الأخيرة أصبحت تعتمد أسلوب المقابلة بين التقارير الرسمية للدول وتقارير المنظمات غير الرسمية لاستجلاء الأوضاع الحقيقية، ومن تم دعوة هذه الدول الى ادخال الإصلاحات اللازمة للنهوض بالأوضاع الحقوقية ببلدانها طبقا للعهود والمواثيق الدولية ذات الصلة.

و بذلك تساهم المنظمات غير الحكومية - الوطنية والدولية – في تطوير حقوق الانسان بالمغرب من خلال الضغط الذي تمارسه بانتقادها و مطالبها المتواصلة لإقرار الحقوق والحريات وضمان ممارستها[...] و فضح الخروقات التي تطال الحريات[10]، كما تعمل على تتبع وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية  والثقافية والمرافعة من أجل حمايتها عبر تتبع التدابير التي تتخذها مؤسسات الدولة لأجل إعمال هذه الحقوق وفق التزاماتها، ومدى وفائها بهذه الالتزامات[11].

كما تعمل هذه الجمعيات على مساءلة الواقع السياسي و المدني عبر تتبع حالات الاعتقالات السياسية وحالات التعذيب والمعاملات الحاطة من الكرامة الإنسانية، ووضعيات السجون، ونزلاء المؤسسات السجنية ومختلف حالات الشطط في استعمال السلطة لأجل توثيقها و رفعها الى الجهات الوطنية والدولية.

وفي هذا الاطار وضعت المنظمات غير الحكومية رهن إشارة المؤسسات الوطنية كل التقارير والبيانات التفصيلية عن حالة حقوق الانسان بالمغرب وعن جوانب الخلل والقصور الهيكلية او التشريعية وغيرها[...] كون الأشخاص ضحايا الانتهاكات غالبا ما يمتنعون عن اللجوء مباشرة الى هيئة رسمية لرفع شكوى  أو طلب إنصاف، وهنا تلعب المنظمات غير الحكومية دور الوسيط[...] لذلك فقد ثم إقرار تعاون كافة السلطات العمومية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات العامة، مع المجلس الاستشاري بغية تمكينه من كافة المعلومات والمعطيات لرصد الانتهاكات ذات الصلة بالاختفاء القسري والاعتقال التعسفي فضلا عن حصر لائحة الأشخاص مجهولي المصير[12]

من هنا يظهر الدور المتنامي لهذه الهيئات في تحصيل و تحصين الحقوق والحريات، وأن مستقبل هذه الحقوق والحريات هو في جزء كبير منه رهين بمدى فعالية هذه الهيئات وقدرتها على الوقوف ندا أمام تغول السلطات العمومية للدول ومحاولاتها المستمرة تحجيم هذه الحقوق وتقييدها لدواعي أمنية خاصة مع دخول المنتظم الدولي في  موجة اضطرابات لها ارتدادات داخلية واضحة.

محمد بالخضار، باحث في القانون العام


1 - محمود أكرف، حقوق الانسان بالمغرب: المكتسبات المؤسساتية والالتزامات الدولية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-أكدال- السنة الجامعية  2008/2009، ص: 23

2- يوسف سونة، المغرب وحقوق الانسان والمواطن بين التشريع والتطبيق والممارسة، ط:1، 2002، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص: 251-252.

3- يوسف سونة، م – س، ص: 261.

4- ادريس جردان، مبادئ أساسية في حقوق الانسان، ص: 68.

5- يوسف البحيري، حقوق الانسان والحريات العامة جدلية الكونية والخصوصية، ط: 1، 2015، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ص: 5.

6- تيير رامبو، ضمانات الحقوق والحريات في الدستور المغربي ل 2011، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية. عدد: 77، 2012، ص: 80.

7- ادريس جردان، م – س، ص: 80 – 81.

8- محمد السكتاوي، حقوق الانسان اليات الحماية الدولية والإقليمية والوطنية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2003، ص: 55 – 56.

9- ليا ليفين، حقوق الانسان أسئلة و إجابات، ترجمة: علاء شلبي و جيسوس ادريسي، ط: 5، 2009، مطبعة لون، الرباط ص: 125 – 126، إصدارات اليونسكو.

10- محمد أكرف، م – س، ص: 23.

11- دليل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الجمعية المغربية لحقوق الانسان، 2011، مطبعة رباط نت المغرب، ص: 85 – 86.

12- محمود أكرف، م – س، ص: 19 – 20.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الدولة،l أزمة الدولة في ظل العولمة

  أزمة الدولة في ظل العولمة إن مسار تطور وظيفة الدولة حملها من القوة الى الضعف، بالقول؛ أن جبروت الدولة الذي ظهر في الحرب العالمية الأولى ...