الجمعة، 11 يونيو 2021

التسويق السياسي،l نموذج تطبيقي لعملية التسويق السياسي.

 

نموذج تطبيقي لعملية التسويق السياسي

سنتناول نموذج تطبيقي لعناصر عملية التسويق السياسي في البرنامج الانتخابي للمشير عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي.

المطلب الأول: المنتج السياسي وسعر البرنامج الانتخابي لعبد الفتاح السيسي و حمدين صباحي

الفقرة الأولى : المنتج السياسي

المنتج السياسي هو المرشح في التسويق السياسي، وهو حزم الخطب والبرامج والوعود والآمال والخدمات الإدارية و التوسطات التي يبيعها مختلف الفاعلين السياسيين( هيئات و أفراد) لعموم الجمهور

أ‌-  ارتبطت الحملة الانتخابية لمرشح التيار الشعبي حمدين صباحي بتيمة (موضوعة خاصة) تتعلق بمحاربة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية التي تعد جزءا محوريا في برنامجه الانتخابي القائم على ثلاثة ركائز أساسية: التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية و إرساء نظام ديمقراطي وتحقيق الاستقلال الوطني.

 ويمكن تسمية منصة الحملة الانتخابية لصباحي ( العدالة الاجتماعية ) بالعلامة او الماركة السياسية المستعملة التي تميز برنامج المرشح[...] حيث أن الجدل السياسي حول أولوية الاستقرار السياسي والأمن ومحاربة الإرهاب حسمه البرنامج الانتخابي لما ربط المكافحة الجذرية لهذه الظاهرة بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر خلافا لرؤية المرشح المنافس الذي يجعل الاستقرار السياسي والأمني محور برنامجه الانتخابي.

بالتالي يتوجه صباحي للناخبين باعتباره حاميا للفقراء والطبقة الوسطى، وهو ما يفسر انطلاق مؤتمراته ولقاءاته من صعيد مصر، وتحديدا من أسيوط مسقط رأس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتي تجسد الفقر والتهميش والحرمان والبطالة.

ويمكن ان نحدد موقع الماركة السياسية المسجلة للبرنامج الانتخابي لصباحي وعلاقاتها المتشابكة مع باقي الركائز الأخرى في هذا النموذج الذي يجعل العدالة الاجتماعية أرضية الحملة الانتخابية ومنصتها:


ب‌-يرتكز البرنامج الانتخابي للمشير عبد الفتاح السيسي على أولوية الاستقرار والأمن كما جاء في خطاب الاستقالة من الجيش وكذا في بعض رسائله وخطاباته وحواراته الصحافية، فهو يرى أن " تحقيق الاستقرار والأمن في البلاد سيكون أهم الأولويات خلال الفترة الأولى " لأننا " مهددون من الإرهابيين، من قبل أطراف تسعى لتدمير حياتنا وسلامنا و أمننا، صحيح أن اليوم هو اخر يوم لي بالزي العسكري، لكني سأظل أحارب كل يوم من أجل مصر خالية من الخوف و الإرهاب...ليس مصر فقط، بل المنطقة بأكملها ".

إذن يشكل الاستقرار والأمن ملفا مستعجلا في البرنامج الانتخابي للمرشح السيسي، وهو الأرضية أو الماركة المسجلة لحملته، والذي ستنال أولوية جهوده، لكن بالموازاة ستكون ثمة ملفات عاجلة ستحظى بالاهتمام، خاصة البطالة والصحة والتعليم، وذلك في إطار مشروع تنموي لتحقيق نهضة مصر.

ويمكن أن نجسد علاقة هذه الأرضية ( الاستقرار و الامن ) بباقي مكونات البرنامج الانتخابي للسيسي في النموذج الاتي:

حيث يقدم السيسي نفسه ( الرجل العسكري ) بأنه الاقدر على مواجهة الإرهاب[1]

الفقرة الثانية: سعر البرنامج الانتخابي للسيسي وصباحي

يعد السعر المكون الثاني من مكونات عملية التسويق السياسي، وهو ما يتنازل عنه الجمهور من اجل الحصول على المنافع التي يعدهم بها القائمون على التسويق السياسي، بمعنى أنه هو الثمن وهو التصويت Le Vote[2].

أ‌-  يقدم البرنامج الانتخابي لصباحي نوعين من السعر، أولهما: السعر الاقتصادي، ويشمل وعودا بتحقيق نسبة نمو اقتصادي تصل الى 7%، ومشروع لاستصلاح الاراضي الزراعية والرفع من إنتاجية القمح والقطن بنسبة 75%، وحماية الثروة التعدينية، وفتح 400 منجم للشباب، و إعادة تشغيل جميع شركات القطاع العام مثل مصانع الغزل والنسيج...الخ.

أما النوع الثاني، فهو السعر النفسي، ويشير الى التصور السيكولوجي للسعر الذي يرتبط بتوجهات وثقافة وخلفية المرشح. وهنا يقدم البرنامج الانتخابي صباحي " مرشحا للثورة " لاستجابته لأهداف ثورتي 25 يناير و 30 يونيو، ويبدوا ذلك جليا في شعار الحملة المثبت على موقعها الرسمي " واحد منّنا، هنكمل حلمنا "، ويعني ذلك، أن الثورة لم تصل الى الحكم و أن انتخاب صباحي يهدف الى الانتصار للثورة، وإرساء نظام ديمقراطي، والوقوف مع احلام المصريين المشروعة.. ويحاول مرشح التيار الشعبي أ، يربط صورته " بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يضع نصب عينيه المواطن الفقير وأعطى لمصر مكانتها.

ب‌-يعتمد السعر الاقتصادي للبرنامج الانتخابي للسيسي على مشاريع قومية تشمل إعادة تقسيم المحافظات ومنح عمق لكل محافظة لزيادة مساحتها بإضافة ما يقارب 50 ألف فدان يتم توزيعها على المواطنين في كل محافظة لتوفير فرص عمل، واستصلاح 4 ملايين فدان، و إنشاء 22 مدينة صناعية جديدة و 26 مدينة ومركزا سياحيا و8 مطارات.

أما السعر النفسي فيرتبط بالصورة الذهنية التي شكلها الاعلام التقليدي والجديد عن السيسي منذ أحداث 3 يوليو 2013 باعتباره الرجل المنقذ من ضلال حكم الاخوان، والمرشح الضرورة الذي وجهت غليه الجماهير نداءها لقيادة مصر. وبهذه الصورة يتم

" تعليب " السيسي كسلعة جاهزة للبيع في السوق الانتخابي( الرئيس الضرورة والمنقذ ) بعد توجيه وسائل الاعلام و استطلاعات الرأي للجمهور ورسم الاهتمام بجودة هذا المنتوج و " فوائده السياسية " [3].

المطلب الثاني: ترويج البرنامج في السوق الانتخابي

الفقرة الأولى : ترويج البرنامج الانتخابي للسيسي وصباحي

يعتمد الترويج للبرنامج الانتخابي على عملية التواصل السياسي باعتباره عنصرا من عناصر التسويق السياسي [...] باعتبار التواصل السياسي يمكن الحزب من ترسيخ رؤيته ومبادئه ونهجه وسط الجماهير، اكسب دعمها لبرامجه والتي تجد فيها طموحاتها وتطلعاتها[4].

وتعد وسائل الاعلام التي لا غنى عنها لتحقيق التواصل السياسي، لأن لها تأثير على إدراك المواطن أثناء الحملة الانتخابية، عدد كبير من المواطنين يستمعون ويشاهدون خطابات السياسيين واراء بعض الصحفيين على التلفاز، و في الجرائد و في المقالات على شبكة الانترنت. فوسائل الاعلام تقوم بدور الموزع للرأي العام الذي يتغير كل يوم طيلة الحملة الانتخابية، كما أن وسائل الاعلام الجماهيرية كالتلفاز يمكنها ان تحور فحوى خطابا ما سلبا او إيجابا[5]، بمعنى ان وسائل الاعلام هي التي تبني الحقيقة حسبWalter Lippman[6].

أ‌-  سعي مرشح التيار الشعبي حمدين صباحي لتوظيف جميع القنوات والوسائل التي قد توصله الى السوق الانتخابي، بدأ بالاتصال الشخصي والحوار المباشر والمؤتمرات الجماهيرية والمناسبات الاجتماعية واللقاءات التلفزيونية والصحافية [...] وهو بذلك يحاول أن يقدم انطباعا عن المرشح القريب من الجمهور [...] ويتضح من خلال قراءة أشكال و أساليب ترويج البرنامج الانتخابي ان الحملة اعتمدت التسويق السياسي بتقنية الدفع، الذي يعني إيصال الرسالة عن طريق المرشح والقواعد الشعبية واستثمار اليات العمل الحزبي( السلاسل البشرية، البريد، الداتاشو...) ونشاط الأحزاب والهيئات السياسية المؤيدة للمرشح كما استخدمت الحملة الفيديو كونفرنس، والبث المباشر عبر الانترنت للتواصل مع أبناء الجالية المصرية( السوق الانتخابي الخارجي)

إذن تسمح هذه التقنية(الدفع) بالحضور المكثف لصباحي بين الجمهور في مختلف المحافظات والمدن وتجعله قريبا من جميع فئات السوق الانتخابي.

أما التقنية الثانية فهي، التسويق بتقنية الجذب، وتركز على استخدام جميع وسائل الاعلام لإيصال رسالة المرشح الى الناخبين، ابتداءا بوسائل الاعلام التقليدية( التلفزيون و الاذاعة والصحافة) ثم الاعلام الجديد عبر انشاء موقع رسمي للحملة الانتخابية الذي يتضمن البرنامج الانتخابي للمرشح، وأخبار الحملة الانتخابية نصا وصورة وفيديو، ونوافذ للتواصل معها وجمع التبرعات وعدد المتابعين لها على مواقع التواصل الاجتماعي ...الخ.

وقد استثمرت هذه المواقع مبكرا بإتاحة صور خاصة لصباحي على موقعinstagram لمشاركة الصور والفيديوهات، وكذلك عبر موقع Sound Cloud الخاص بنشر التسجيلات الصوتية الكترونيا، وبذلك تركز الصورة الذهنية للمرشح على فكرة الفريق والحضور الفعال للحملة على شبكات التواصل الاجتماعي.

و يعبر النموذج التي عن طبيعة العلاقة الشبكية التي تربط المرشح الرئاسي بوسائل الاعلام والكتلة الانتخابية:

ب‌-تبدوا الحملة الانتخابية للسيسي مكتفية بالشعبية الخاصة لمرشحها، والتي تعزز رصيدها لدى قطاعات واسعة في السوق الانتخابي منذ احداث 3 يوليو، ولذلك اعتمد السيسي بشكل اساسي على الحضور التلفزيوني، بينما كان أول تصال بالناخبين عبر هاشتاج (# تحيا مصر) سرعان ما تحول من وسيلة لتوضيح أفكاره ومشاريعه الى فضاء للتعليقات الساخرة. وكان معظم التقنيات أو الوسائل التي لجأت إليها الحملة تخدم استراتيجية التسويق السياسي عن بعد، إذ ظل المرشح بمعزل عن الكتلة الانتخابية أو الخزان الانتخابي الذي يدعم ترشحه أو الجمهور الذي استدعاه لقيادة مصر في هذه المرحلة باعتباره المرشح الضرورة.[7]

ولا تعدم الحملة تفسيرا لهذا الأسلوب الذي يعزل مرشحها عن هذا الخزان الانتخابي، فهو اولا مستهدف من قبل جهات داخلية وخارجية، وذلك ما يجعل تحركه في الشارع وعقد مؤتمرات جماهيرية صعبا، لذلك تسعى الحملة للحفاظ على حياته، خلافا لصباحي الذي  يجد سهولة في الحركة، لأنه غير مستهدف.

كما أن السيسي ليس في حاجة الى مؤتمرات جماهيرية، لأن الشعب يعرف فكره، وهو من استدعاه لقيادة مصر، فالمشير مكلف، والمكلف لا يحتاج الى تفاصيل يحتاجها المرشح العادي، لأن الشعب هو الذي قدمه للمنصب ولم يقدم نفسه [...] ولا يمكن ان نغفل هنا دور استطلاعات الرأي في الترويج للمرشح، وهو ما قد يسهم في التقليل من أهمية المؤتمرات الجماهيرية أو الترويج لبرنامج المرشح في السوق الانتخابي، مثل الاستطلاع الذي يظهر أن السيسي سيحصل على نسبة 72%من التأييد مقابل 2% فقط لصالح منافسه مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي.

هكذا يبدوا أن الحملة الانتخابية للسيسي تمتلك خيارات كثيرة في الترويج لمرشحها، لكنها تظل معزولة عن الكتلة الانتخابية التي يفترض أن يسوق لها المنتوج السياسي للمرشح.

ومن هنا نستطيع إعادة تركيب العلاقة التي نسجتها الحملة الانتخابية مع وسائل الاعلام في الترويج للبرنامج الانتخابي والكتلة الانتخابية في النموذج الاتي الذي يجعل المرشح معزولا عن الخزان الانتخابي ( التسويق السياسي عن بعد ):


الفقرة الثانية: السوق الانتخابي للسيسي وصباحي

تستخدم مصطلحات أخرى للدلالة على السوق الانتخابي مثل التوزيع والذي يقابله أماكن العملية الانتخابية، أي المجموعات المختلفة من الناخبين إذ كل شريحة أو فئة اجتماعية لها خصوصية ولها مطالب معينة يجب التعاطي معها بعد إجراء عملية تقسيم السوق الانتخابي، التي تعني استهداف " المجموعة الانتخابية الأكثر قربا  لانتخاب حزب أو اختيار فكرة أو خيار سياسي.[8]

فالمجال الانتخابي هو متنوع بطبعه، لدى لدى وجب تقسيمه وفق معايير معينة ووضع استراتيجيات للتعامل مع مختلف التقسيمات ( استراتيجية عامة، متنوعة ومركزة)[9]

أ‌-  بهذا الفهم للسوق الانتخابي حددت الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة المصرية السيسي وصباحي مجال تسويق منتجهما السياسي، فاتجهتا لتنويع مراكز هذه السوق و إن بدرجات متفاوتة، فقد استهدفت حملة صباحي فئات مختلفة، لكنها ركزت أساسا على فئتين تمثلان قطاعا عريضا في المجتمع المصري، وهما: الشباب، ثم فئة ذوي الدخل المحدود التي ظل صباحي يستحضرهما في جميع مؤتمراته وخطاباته وحواراته التلفزيونية والصحافية، لأنها عانت خلال العقود الأخيرة من التهميش والحرمان وعدم توزيع خيرات البلاد بعدالة.

وقد وجهت الحملة اهتمامها لاتحادات العمال ( عمال صناعة الغزل والنسيج ) والروابط المهنية، والفلاحين، ولم تغفل السوق الانتخابي الخارجي ( الجالية المصرية ) والسوق الداخلي ( التيار الشعبي ).

ب‌-  حرص المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي على نهج استراتيجية التسويق السياسي عن بعد، وهو ما جعله معزولا عن كتلته الانتخابية المفترضة، لكن في الوقت نفسه قام السيسي بتجزئة السوق الانتخابي والتركيز على فئات نوعية تمثل الصفوة
أو النخبة في مجالات وحقول مختلفة ( مثل: الإعلاميين والأساتذة الجامعيين وعلماء الدين...) فضلا عن الشخصيات العامة، والشباب...، و هي استراتيجية تراهن على التأثير الهرمي الذي يعتمد على جهود وطاقة ( دعاية ) مجموعة قيادية تقود الاخرين لتحقيق الأهداف، والترويج لبرنامج المرشح. وربما هذا ما يفسر حرص السيسي على تسويق نفسه لقادة الرأي ( لا سيما الإعلاميين، ومؤسسات استطلاع الرأي ) لأنه يدرك تأثيرهم في السوق الانتخابي.[10]


محمد بالخضار، باحث في القانون العام

 

 1-محمد الراجيhttp://annabaa.org/arabic/internationalpress/7374  (consultée le 18/12/2016)  

 2- أحمد الخنبوبي،  التسويق السياسي مقاربة نظرية،ط،1، 2009، طبع الواحة، ص: 35.

 3- محمد الراجي، مركز دراسات الجزيرة للأبحاث، مرجع سابق.

 4- أحمد الخنبوبي، م – س، ص: 35-37.

5-http://Oppus.Recherche.Usherbrooke.Ca Alexander Chevrier-Pelletier, L’utilisation Performante Des Medias Sociaux En Marketing Politique : Compagne Obama 2012.Vol.V.N°3, Automne 2013, P.3.

6- Claude André,  Essai sur Le Marketing Politique et Les Stratégies Gouvernementales au Québec : Réflexions Critiques, Mémoire Master, Science Politique,Université du Québec, Montréal, Canada, Avril, 2014.P.8.

 7- محمد الراجي، مرجع سابق.

8- Claude André, op.cit.P.18.

9- OuafaFilali,Le Marketing Politique Outil de Développement ?, Réflexions sur le Parlement et la citoyenneté, publication de la Faculté des Sciences Juridiques Economique et Sociales – Suissi, Ed 2012,Impressions Bouregreg, Rabat.P.51.

 10- محمد الراجي: مرجع سابق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الدولة،l أزمة الدولة في ظل العولمة

  أزمة الدولة في ظل العولمة إن مسار تطور وظيفة الدولة حملها من القوة الى الضعف، بالقول؛ أن جبروت الدولة الذي ظهر في الحرب العالمية الأولى ...