السبت، 5 يونيو 2021

الولايات المتحدة الأمريكية، ∣ عودة الولايات المتحدة الأمريكية الى المنتظم الدولي.

 

عودة الولايات المتحدة الأمريكية  الى المنتظم الدولي

تعد الولايات المتحدة الأمريكية قوة دولية عظمى، إذ يشمل تأثيرها الجماعات السياسية والدول والمنظمات الدولية، سواء من خلال الاتفاقيات الثنائية أو الجماعية، أو من خلال تحكمها في كواليس اتخاذ القرارات بالمنظمات الدولية.

عودة الولايات المتحدة الأمريكية الى المنتظم الدولي

فأمريكا لها أكبر شبكة مصالح استراتيجية و أمنية في العالم، لذلك تجدها حاضرة في كل النزاعات الإقليمية والدولية للحفاظ على هذه المصالح، سواء عبر القنوات الدبلوماسية النشيطة، حيث تُعد الأَقْدر من غيرها على جمع الأطراف المتنازعة وفرض تسويات عليهم، أو من خلال الحضور العسكري الوازن عبر تحريك الأساطيل البرية والبحرية والجوية المرتبطة بشبكة استخبارات دقيقة  في المناطق الحساسة بالعالم، سواء بالمضايق البحرية الاستراتيجية، أو قرب مناطق النزاع، مستعينة في ذلك بقواعدها العسكرية الكثيرة.

فهذا الانتشار الواسع لأمريكا، جعلها تمارس الهيمنة الدولية وفق المنظور الإمبراطوري، وقد سَلَّم لها المجتمع الدولي بذلك.

و مع مجيء دونالد ترامب، الذي سحب أمريكا الى داخل حدودها وفق مبدأ " مونرو " بصيغة " أمريكا أولا "، أصبح السلوك الأمريكي يتميز بالأنانية و التراجع عن التزاماته الدولية بخصوص مجموعة من القضايا التي انخرطت فيها الإدارات السابقة، ما أدى الى تعطيل الأجندة الدولية، و مصالح مجموعة من الفرقاء ، خاصة الحلفاء منهم، عبر تعطيل مشروع الحد من الانبعاثات الغازية بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، و عرقلة التجارة البينية برفع قيمة الرسوم الجمركية، و شن حرب تجارية على الصين قلصت حجم التجارة الدولية.

كما تسببت سياسته المتشددة للهجرة في فضائع إنسانية. و عَكَسَت الصورة النمطية لأمريكا، كدولة للمهاجرين بالأساس.

كما شكل عدم تجاوبه مع  الطلب الروسي لتجديد اتفاقية ستارت الثالثة، لخفض التَّسلم النووي للبلدين، وكذا الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، معاكسة للتوجه الأممي للحد من الانتشار النووي، و تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية، و تأثير ذلك على السلم والأمن الدوليين.

كما أن انسحاب ترامب من منظمة الصحة العالمية، أثر بشكل كبير عل المجهود الدولي لمواجهة جائحة كوفيد 19.

و بالنتيجة، أدت سياسة ترامب الخارجية إلى إحداث نوع من الانحباس و التشنج في العلاقات الدولية، جراء فرضه لأجندة لا تتماشى مع تقاليد السياسة الخارجية الامريكية المعهودة، ما صعب على الفرقاء الدوليين، (حلفاء وخصوم) مسايرة الإدارة الامريكية الجديدة، و تراجع ثقتهم فيها، فمرحلة حكم ترامب شكلت غرفة انتظار بالنسبة للمجتمع الدولي.

و لم يطل الانتظار؛ فولاية حكم واحدة للجمهوريين، كانت كافية للإتيان بجون بايدن الديمقراطي، رئيسا أمريكيا مرحبا به من طرف الجميع.

وما هي إلا دقائق على أدائه اليمين الدستورية، حتى اَنهالات العروض السياسية على الإدارة الأمريكية الجديدة، داخليا؛ من أعضاء الحزب الجمهوري، المستعدين للعمل مع بايدن.

 و خارجيا؛ من طرف الحلفاء التقليديين؛ كفرنسا المرحبة بأمريكا الجديدة، و بعودتها لاتفاق باريس للمناخ، و ألمانيا الداعية للتعاون عبر الأطلسي، و الاتحاد الأوروبي الداعي الى " إعادة بناء شراكة قوية "  و اليابان التي تمد يدها بالتعاون للحفاظ على سلام  المحيطين الهادي و الهندي. كما  تعلن روسيا انفتاحها على أمريكا لتدارس القضايا المشتركة، و أولها اتفاقية ستارت، إيران تدعوا أمريكا للعودة الى الاتفاق النووي، و تفادي سياسة " الضغوط القصوى ". كما أعلنت فنزويلا " استعدادها الدائم للحوار " مع الولايات المتحدة الأمريكية...،

كما ينتظر أن تعيد إدارة بايدن الاعتبار للطرف الفلسطيني في صراعه مع إسرائيل باعتماد حل الدولتين.

فلهفة القوى الدولية للعمل مع " بادين " يشكل خزان استراتيجي للإدارة الجديدة، فالطلب السياسي كبير، وقيادة أمريكا مسألة حيوية بالنسبة للمنتظم الدولي، الذي يتطلع إلى سياسة أمريكية تراعي مصالح الأطراف الدولية الأخرى.

و بالفعل، كانت الأوامر الأولى للرئيس الجديد، قد أعطت الأمل لإحياء الأجندة الدولية، بإعادة التزام أمريكا مع الشركاء بالأوفاق الدولية.

لذلك فأمريكا ستواصل قيادتها للعالم من موقع الطلب المتزايد عليها و على سياستها المعتدلة مع الديمقراطيين.

فانكفاء أمريكا على نفسها، هو سوء تقدير كبير من طرف ترامب، فأمريكا تشكل محور السياسة الدولية، ولا يمكنها الانسحاب هكذا فجأة بدعوى الاهتمام بشؤونها الداخلية.

 محمد بالخضار، باحث في القانون العام

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الدولة،l أزمة الدولة في ظل العولمة

  أزمة الدولة في ظل العولمة إن مسار تطور وظيفة الدولة حملها من القوة الى الضعف، بالقول؛ أن جبروت الدولة الذي ظهر في الحرب العالمية الأولى ...