" الأحزاب السياسية المغربية بين القوة و الضعف
يتشكل المشهد الحزبي المغربي من أحزاب عتيدة،
ارتبط ظهورها بمرحلة محاربة الاستعمار ،
والتي سُمِيت فيما بعد بالأحزاب الوطنية، تعيش الان أزمة حقيقية بفقدان الرؤية
السياسية للمشروع المجتمعي المقترح، وبخاصة الجناح اليساري منها، الذي يعيش خَريفَه
السياسي بعد انتهاء زمن الأيديولوجيات، و انسداد الأفق التنظيري له، كما و أَنْهكتها
عقود طويلة من الصراع على السلطة، و مقاومة أساليب التدجين المتنوعة، التي أفقدتها
الكثير من بريقها السياسي ، ومصداقيتها لدى الشارع العام، وتحتاج في كل استحقاق
انتخابي الى دعم حقيقي للحفاظ على تواجدها السياسي أمام المنافسين الجدد.
الأحزاب السياسية المغربية بين القوة والضعف |
و أحزاب جديدة، من بينها حزب ذي مرجعية إسلامية،
يتميز بديناميته السياسية والاجتماعية وديمقراطيته الداخلية، و له تجاوب و تناغم
مع فئات عريضة من الشعب المغربي الشيء الذي خوله الفوز في الانتخابات التشريعية
وقيادة الحكومة المغربية لما بعد محطة الربيع العربي، وشكل منافسا حقيقيا للأحزاب الوطنية
بالمغرب، و أصبح يفرض عليهم امتحانا عسيرا في كل استحقاق انتخابي.
بالتالي، هناك صراع أجيال بين هذه الأحزاب في
دورة خلدونية يحاول فيها كهول السياسية التشبث بأسباب الحياة، في حين يحاول
السياسيون الشباب تجاوز خطاب مرحلة الحصول على الاستقلال، والانطلاق في ممارسة
السياسية على أسس ديمقراطية جديدة. الأمر الذي يثير الكثير من التوتر على مستوى
الممارسة السياسية.
فمحطة الربيع العربي كانت نقطة تحول حقيقية،
حيث استفاد منها الحزب الشاب الذي طرح نفسه كبديل للإصلاح، حيث رُفعت شعارات مُنددة
بالمردودية السياسية للأحزاب المغربية، لفشلها في لعب أدوار الوساطة، لكن اللَّافت
في الأمر، أن هذه الأحزاب لم تُعِر اهتماما للانتقادات التي خَصَّها بها الشارع
السياسي، واعتبرت أن المسألة هي بين الشعب والدولة المغربية، و تعاملت مع حركة 20
فبراير من موقع المنافس السياسي، لا من موقع الحليف الى المطلب الاجتماعي.
فإذا كانت الدولة قد أجابت عن سؤال الربيع
العربي، بخطاب 9 مارس 2011، ودستور 2011، والعديد من الإصلاحات الأخرى، فإن
الأحزاب السياسية المغربية لم تجب حتى الان عن سؤال الشارع ، و لم تبادر الى إصلاح
بنيتها الداخلية بتفعيل الديمقراطية الداخلية وتجديد كوادرها في دورة نخب تفسح
المجال للشباب على الخصوص، وانفتاحها على الفئات الاجتماعية و توسيع دائرة الانخراط
لديها، والرفع من نسبة التأطير، الذي تحصره مندوبية التخطيط في 1 في المائة،
وتقليص الفائض السياسي في الشارع العام ونقله الى داخل الأحزاب، فَفَوَّتت على نفسها
فرصة التجديد، لمواكبة المتغيرات السياسية، " و لم تتغير الأحزاب المغربية
" كما قال حميد شباط عندما كان أمينا عاما لحزب الاستقلال.
وَهَا نحن اليوم، على بعد عشر سنوات عن دستور
2011، نرى الأحزاب المغربية العتيدة تَقِف أمام الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021 و هي مأزومة،
أمام الحزب الشاب، المرشح لقيادة الحكومة للمرة الثالثة، ونراها تستعمل كل الوسائل
للحفاظ على حظوظها، ابتداءا " بتخفيض العتبة الانتخابية لحد العدم " وصولا الى " احتساب
القاسم الانتخابي على أساس المقيدين في اللوائح الانتخابية " مرورا بالنقاش
الطويل حول الفصل 47 من الدستور. فالمشهد الحزبي اليوم عوض أن يقوي الأحزاب
الوطنية في المغرب و يدفع بها الى منافسة الأحزاب الواعِدة من موقع قوة، نراه يعمل
على إضعاف الأحزاب القوية للحفاظ على حظوظ الأحزاب الرافضة لإصلاح ذاتها عبر الية
" احتساب القاسم الانتخابي على أساس المقيدين في اللوائح الانتخابية "
مع ما يشكله ذلك من إحراج وخدش واضح
للديمقراطية المغربية الناشئة.
فالاستحقاقات الانتخابية هي محطة لقياس مستوى
تطور الممارسة السياسية في نظام سياسي معين، بما في ذلك منظومة القوانين
الانتخابية التي تنظم هذه العملية وتؤطرها، و أي اختلال يعتري هذه المنظومة سيؤدي
الى تباطئ مسلسل دمقرطة النظام السياسي ككل.
فالصراع الحزبي يجب أن تكون مخرجاته إيجابية،
تطور النسق السياسي و لا تضعفه بإفراز المزيد من مؤشرات التنفير من السياسة.
.المسلسل الديمقراطي تحت المحددات الاستراتيجية للدولة المغربي
محمد بالخضار، باحث في القانون العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق