التنشئة السياسية، الفاعلين الأساسيين
يتعدد الفاعلون
الأساسيون في التنشئة السياسية المباشرة وغير المباشرة، انطلاقا من الأسرة، مرورا
بالمؤسسات التعليمية والدينية و الإعلامية والأحزاب السياسية.
المطلب الأول: التنشئة
السياسية غير المباشرة
تسميتها غير مباشرة أو خفية الوظيفة السياسية، لأنها لا تعلن مباشرة، أو تضع كهدف رئيسي لها، النشاط السياسي، فوظيفتها العلانية والاساسية هي وظيفة اجتماعية، إلا أنها بطريقة غير مباشرة تتحول الى مؤسسات ذات وظائف سوسيو- سياسية[1]
الفرع الأول: الأسرة
تعتبر الاسرة اول مؤسسة
اجتماعية يتأثر بها الطفل " ففيها يتعرف على البيئة من حوله، ويتعلم منها،
ويتأثر بها، و لقد ورد عن رسول الله(ص) قوله: ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه
يهودانه، او يمجسانه...) أخرجه البخاري ومسلم، صحيح الجامع، صحيح الترمذي، وهي
ذلالة على أهمية دور الاسرة في تنشئة الفرد[2] إذ
تعلم الطفل الروابط الاجتماعية، وقيم المجتمع، وتساهم في تطوير شخصية الافراد
أثناء مراحل تطورهم الأولى. بالإضافة الى ما تلعبه الاسرة من تأكيد لهوية الطفل
الشخصية المميزة، فالأسرة بالنسبة للإنسان الفرد أهم من الدولة فهي مهده ومنشأه
ومظلته الاجتماعية[...] والعائلة هي من أولى المؤسسات البنيوية التي تؤثر في أفكار
و مواقف و سلوكيات و أخلاقية الفرد[...] فهي تزرع فيه النظام القيمي والديني
للمجتمع، وتوجه سلوكه وتصرفاته في خط معين يتماشى مع مثل ومقاييس المجتمع[...] إن
ما يتعلمه الطفل في هذه الفترة قد يتحول الى ما هو سياسي او قد يندمج فيه على
الأقل[3].
حيث أن ما يصدر عن
الرجل من مواقف سياسية تكون أحيانا انعكاسا شبه مباشر لرواسب ماضوية، حيث أتار موريس
دوفرجيه الى أثر نظرية الحرمان والتي اعتمدها علماء التحليل النفسي لتحليل
الصراعات السياسية، حيث يرى أنه يمكن أن ينشأ العدوان والعنف والتسلط والاستبداد
كتعويض للحرمان الذي عرفه الرجل السياسي
في طفولته [...] فالظاهرات النفسية والتي تبرز أمزجة سياسية مختلفة، ديمقراطية،
دكتاتورية، تسلطية ناشئة عن بنى اجتماعية تتعلق أساسا بعلاقة الأباء بالأبناء، ففي
المجتمع العربي مثلا تتكون شخصية الفرد أساسا
في العائلة ثم تأتي بقية المؤسسات الأخرى كمتممة للتنشئة الاسرية، ونظرا
لأن العائلة التقليدية العربية تشدد في تربيتها على العقاب الجسدي والترهيب
والترغيب أكثر مما تشدد على الاقناع ( فإنه ينشأ عن ذلك نزعة نحو الفردية
والإنسانية والتأكيد الدائم على الأنا أكثر من التأكيد على " النحن".
و عليه عندما يكبر
الطفل يبقى في سلوكه السياسي سلطويا لا يؤمن بالحوار والنقاش[4].
ورغم أن معظم المناقشات
حول دور الاسرة في التعلم الاجتماعي تركز على تأثير الوالدين على أطفالهما الصغار،
فإن الاسرة يمكنها أن تستمر في التأثير على نظرة الفرد السياسية والاجتماعية طيلة
حياته.
فالاتصالات والارتباطات
العاطفية القوية بين أفراد الاسرة لا تتوقف بعد سنوات الطفولة والشباب[5].
وبناء عليه، فتأثير الأسرة في الفرد مسألة حتمية الوقوع، ولا يمكن تفاديها أو
تفادي تأثيرها بأي حال من الأحوال، وتساهم بشكل كبير في تحديد اختيارات الفرد خاصة
في المجتمعات الثالثية، حيث غياب العقلانية الاجتماعية، وطغيان العاطفة على السلوك
الاجتماعي.
الفرع الثاني: المؤسسات التعليمية
إن أهم ما يميز المدرسة
كأداة من أدوات التنشئة السياسية، كونها إلزامية. وتعتبر أول مؤسسة رسمية يرتبط
بها الفرد في حياته، إذ تمهد المواطن لتقبل أدوار باقي أدوات التنشئة، لذلك أهتمت
الدول والحكومات بإلزامية التعليم ومجانيته، ليس فقط من أجل رفع المستوى العلمي،
بل من أجل تنشئة الأجيال سياسيا، بما يجعلها تتوافق مع النظام السياسي[6].
حيث يدخل الطفل عالم
القراءة والكتابة والتلقين الممنهج للمعلومات الثقافية والسياسية، فمن خلال
المؤسسات التعليمية يتوعى الطفل و يطلع على الاحداث السياسية الداخلية والخارجية،
ويبدأ في فهم السياسة كشيء متجسد في اشخاص ورموز ومؤسسات، وتعمل المدرسة على
تلقينه أحكام قيمة إيجابية أو سلبية حول الشأن السياسي[7].
بالتالي، فالمدرسة تقوم
بوسائلها المختلفة بدور يشبه الى حد كبير دور العائلة، فالمدرسة تعمق من شعور
الانتماء للمجتمع، وتساهم في بناء شخصية الفرد وتثقيفه عن طريق نهج العادات
والتقاليد لتجعله عضوا مشاركا في المجتمع، وتلعب المناهج التدريسية والنشاطات
الرياضية والاجتماعية دورا هاما في تثقيف الطالب اجتماعيا وسياسيا [...] فالنظام
التربوي يحافظ على التراث الشعبي والوطني ويحفظه للمستقبل.
بالنسبة للمقررات
الدراسية فإنها يجب أن تتفق مع ملاحظات الطالب عن عالمه السياسي حتى يتقبلها
ويترجمها مستقبلا الى سلوك عملي، وفي هذا الاطار يقول داوسن ( ( R . Dawson إنه عندما ترسم الكتب المدرسية عالما متفقا مع
ملاحظات الطالب عنه ومتفق مع ما ثم نقله من خلال قنوات التنشئة الأخرى، فإن الطالب
يكون اكثر استعدادا لتقبل الدروس السياسية التي تقدمها هذه الكتب[8].
ما يفهم منه أن المقررات الدراسية حسب داوسن يجب ان تعكس تطلعات الشباب
واملاهم المستقبلية. " فالتعليم المدرسي الذي تشرف عليه الحكومة له أهداف واضحة
و طرق و أساليب ومناهج محددة تتصل بتربية الافراد وتنشئتهم بالطريقة المطلوبة[9]
وفقا لنظرية الدولة، ولا تتفق أهداف الدولة في المقررات الدراسية مع رؤية المجتمع
الخاضع لعملية التأطير المدرسي ذات الأهداف المرتبطة بأهداف الدولة السياسية إذ
من " خلال البرامج التعليمية المقررة
يتمكن الطالب من الاطلاع على عدد من المعلومات السياسية المتعلقة بالدولة ورئيسها
وتشكلاتها السياسية، أنظمتها ودساتيرها والاطلاع على الثقافة السياسية بوجه عام في
الداخل والخارج، وترتبط التنشئة السياسية في المدرسة بالسلوك السياسي ليس فقط على
مستوى التلقين، بل إنه في مرحلة الشباب وخصوصا المرحلة الجامعية، تنعكس التنشئة مباشرة
على السلوك السياسي- إيجابيا او سلبيا – حيث تكون فئة من الطلاب، وخصوصا في
الجامعات، محملة بتراكم معرفي، حصيلة ما سمعته و قرأته في المؤسسات التعليمية
وخارجها، وتبدأ بممارسة نضال سياسي هادفة الى تمرير خطاب سياسي خاص بها، كالمطالبة
بإصلاح النظام الجامعي، أو منح أكثر للطلبة، و أحيانا تتجاوز المطالب، لتمس
السياسة العامة للدولة، كالمطالبة بالديمقراطية أو التعبير عن مساندتها لقضية
مختلف بشأنها[10].
هكذا تساهم المدرسة في مختلف مستوياتها
التعليمية في تمكين الطالب من معارف متنوعة بشكل تصاعدي، تعمل على بلورة شخصية مواطن
يساهم برأيه في جميع القضايا المحلية والوطنية من منظور التنشئة التي خضع لها.
الفرع الثالث: المؤسسات الدينية
تتمثل في المساجد
والكنائس و مختلف دور العبادة وما يرتبط بها من مؤسسات و أشخاص يوظفون الدين
لتلقين أفكار سياسية عامة لأفراد المجتمع[...] قد تتخذ لنفسها شكل منظمات سياسية
مباشرة كالأحزاب، أو شكل جمعيات خيرية، أو جمعيات للوعظ والإرشاد، أو مجرد دور
عبادة [...] حيث يعملون على نقل مجموعة من القيم السياسية من جيل الى جيل، أو
يعملون على إضفاء الشرعية على النظام السياسي القائم أو تجريده منها[11].
إذ يستفيد النظام السياسي كثيرا كلما زاد التطابق بين القيم التي يدعو إليها،
والقيم التي تتبناها المؤسسة الدينية، ويتعرض هذا النظام أيضا للمخاطر والتحديات
إذا ما تضاربت أو تعارضت القيم التي يدعو اليها مع القيم التي تتبناها المؤسسة
الدينية[12].
يبدوا أن النظام
السياسي يؤثر على التنشئة الدينية، إذ كلما ضعفت الثقة بالنظام السياسي القائم إلا وازداد من ظهور
الحركات الدينية المناهضة للنظام السياسي القائم[13]. إذ
غالبا ما تقوم الجماعات الدينية بانتقاد الحكام بدعوى تخليهم عن تعاليم الدين
الإسلامي، مما يؤدي الى فساد الحكم.
لعب رجال الدين
المسيسين دورا في زعزعة استقرار العديد من الأنظمة السياسية كما كان الامر مع نظام
الشاه في إيران، وكذلك في الجزائر ومصر[...] عبر القاء المواعظ الدينية في المساجد
وتوزيع الكتيبات والنشرات الدينية و أشرطة الكاسيط المسموع، والمرئي المسموع، بشكل
كبير أيضا على مستوى وسائل الاعلام في بعض الدول التي تسمح بذلك [...] كما أن
التنشئة السياسية لا تقتصر على المؤسسات الدينية المتخصصة، بل يمارس الدين دوره في
هذا السياق منذ الطفولة داخل العائلة ، وفي المدرسة من خلال الحصص و الدروس الدينية،
و في وسائل الاعلام من خلال البرامج الدينية الموجهة، وفي الاجتماعات الحزبية[14]
خاصة الأحزاب ذات المرجعية الدينية.
أما بالنسبة للنظام
السياسي المغربي، فيعتقد أن هذا الأخير
قطع الطريق أمام المعارضة الدينية، نتيجة محافظته على الرموز التقليدية التي لم
تفقد بريقها، حيث تمتعت القيم الإسلامية في المجتمع المغربي بمكانة تفوق مثيلتها
في دول المنطقة ذات الأنظمة العلمانية[15].
يتضح مما سبق أن المؤسسات الدينية تساهم بشكل
كبير في التأثير على التنشئة السياسية، كما تلعب دورا في استقرار النظام السياسي.
المطلب الثاني: التنشئة السياسية المباشرة
في مقابل التنشئة
المباشرة، نجد التنشئة غير المباشرة
الفرع الأول: المؤسسات الإعلامية
تشمل هذه الإذاعة
والتلفزة والصحافة المصورة والمسموعة، والصحافة المكتوبة، والسينما...الخ.
و تبرز أهمية الاعلام في التنشئة السياسية من المكانة التي أصبح يحتلها الاعلام اليوم كقوة يحسب لها ألف حساب لما تملكه من تأثير على توجهات الافراد ومواقفهم السياسية، والتأثير على أذواقهم و كل نمط حياتهم، بل أنها أصبحت تقوم بعملية غسل الدماغ، خصوصا للإنسان العادي[16].
التنشئة السياسية، ∣ الفاعلين الأساسيين |
إذ
أصبحت وسائل الاتصال والاعلام في العصر الحديث على درجة كبيرة من التقدم
والفعالية، وذلك بسبب النهضة التكنولوجية التي سادت الدول الصناعية المتقدمة، تبعا
لذلك فقد أصبحت الاتصالات بين مختلف المجتمعات أكثر يسرا وسهولة مما يجعلها أكثر
مصادر التنشئة خطورة[...] مما جعل الحكومات تحاول السيطرة على تلك الوسائل لكي
تضمن سير التوجه السياسي والايديولوجي في الاتجاه الذي تريده، وبما يحافظ على
الإبقاء على النظام القائم والبناء الاجتماعي الحالي[17].
فوسائل الاعلام
بوسائلها المباشرة و غير المباشرة تقوم عن طريق
برامجها ونشاطاتها المتنوعة بتحصين المواطن من التيارات الفكرية والسياسية
المعادية التي تنال من أمن و حرية الوطن واستقلاله وتقوم بتزويدها بالمعلومات
والأخبار السياسية الصحيحة التي تؤكد ثقتهم بمجتمعهم ووطنهم والرد على كافة
الأكاذيب ودحضها بما يضمن استقرار المجتمع، و الإحساس القوي بالمواطنة و بكل ما
يترتب عليها من حقوق والتزام اتجاه الوطن والأمة[18].
فقد أجريت عدة دراسات
حول تأثير وسائل الاعلام على عملية التنشئة السياسية في نهاية الستينات وبداية
السبعينات من القرن الماضي، وكان من أهمها دراسة هولاند سنة 1971 ودراسة جوزيف
دمنيك سنة 1972 دراسة تيبتون سنة1981، ودراسة جارمو اوتكين
سنة 1986، وتوصلت كل تلك الدراسات إلى أن استخدام وسائل الاتصال الجماهيري من شأنه
احداث تغييرات في ادراكات الافراد وفي سلوكياتهم السياسية، وأن وسائل الاتصال
تعتبر مصادر رئيسية في عملية التنشئة السياسية[19].
بالتالي فكل الأنظمة
السياسية تعمل على تقوية جبهتها الداخلية عبر الترويج لأطروحاتها السياسية
والاقتصادية والاجتماعية عبر وسائل الاعلام، الأمر الذي سيساهم في اكساب مواطن
الدولة جزءا كبيرا من ثقافته السياسية، على أن تساهم باقي المؤسسات المعنية بالتنشئة
السياسية في تلقين المواطن دروبا أخرى من الثقافة السياسية والاجتماعية، على
اعتبار أن وسائل الاعلام انتشرت بشكل واسع وأصبحت تشكل جزءا من الحياة اليومية
للمواطن داخل البيت وخارجه.
بناء على ما سبق، فإن
تأثير وسائل الاعلام على الفرد والجماعة لا يمكن تفاديه، خاصة الاعلام الرسمي المجند للترويج لأطروحة الدولة الذي له الغلبة
أمام الاعلام المستقل المسيجة حركته بالقوانين السالبة للحرية في حالات كثيرة.
إذن، إن وسائل الاعلام
هي الية من اليات ممارسة السلطة بالنسبة للحاكمين، ووسيلة لزعزعتها بالنسبة لقوى
المعارضة.
إلا أن الوظيفة
السياسية لوسائل الاعلام تختلف من بلد لآخر حسب النظام السياسي والايديولوجيا
السائدة فيها [...] ففي مجتمعات دول العالم الثالث فغالبية هذه الدول تسعى لأن
تكون هذه الوسائل تحت إشراف السلطات العامة ومعبئة في خدمة إيديولوجية الدولة و
مصلحة النظام السياسي، فقليل من هذه الدول يوجد فيه محطات إذاعية او تلفزية خاصة،
و بعضها لا يسمح حتى بحرية الصحافة و طباعة وتداول الكتب إلا بعد مرورها على
الرقيب الذي يمارس سلطة مطلقة في تحديد المسموح به بحجة الحفاظ على استقرار
المجتمع.[20]
فتوسع الصحافة المستقلة
لن يتم إلا عبر تشريعات مشجعة، والتراجع عن تشريعات أخرى، كتلك المتعلقة بالعقوبات
السالبة للحرية المضمنة في القانون الجنائي المغربي، وفتح تخصصات قطاع الصحافة بالكليات الوطنية، الامر
الذي سيوفر كوادر مؤهلة للانخراط في تأهيل هذا القطاع الذي يخدم الديمقراطية الاجتماعية
عبر توفير المعلومة التي تعد مفتاح كل عملية تقييم ومساءلة لأي سياسة عمومية كاختصاص
رقابي للسلطة التشريعية، كما هو الشأن في الغرب، الذي يمكن لأي مقال صحافي أن يطيح
بمسؤول حكومي، أو يذهب به الى السجن بعد محاكمة عادلة.
صحافة مستقلة كهذه تخلق
التوازن أمام الرواية الرسمية، وتوفر للمواطن مصدرا جديدا للتنشئة السياسية يركز
على النقد والتمحيص التي تقابلها تنشئة قائمة على الطاعة والامتثال.
وبهذا يخلق التوازن
المفقود، الذي يخلق بدوره مواطن متوازن بين واجب الدفاع عن المصلحة العامة للوطن،
والتمتع بحقوق المواطنة الحقة.
محصلة كل ذلك، وطن
متوازن على مستوى طبقاته الاجتماعية، وسلطه السياسية، ونظام سياسي معتدل.
الفرع الثاني: التنشئة السياسية عبر الأحزاب السياسية.
الحزب السياسي باعتباره
جماعة من الناس لهم تصورات سياسية واقتصادية واجتماعية متطابقة تسعى للاستيلاء على
السلطة لتطبيق برنامجها السياسي، الذي ترى فيه منفعة عامة، فهي في مسعاها هذا
تحاول أن تكسب التأييد لطرحها السياسي عبر الترويج لأفكارها وتصوراتها وبرنامجها
الحزبي بين صفوف الجمهور السياسي
لإقناعه بالبدائل التي يحملها برنامجه
السياسي، التي من شأنها إيجاد الحلول للمشاكل الوطنية. والأحزاب في نشاطها هذا
تساهم في التنشئة السياسية للمواطنين عبر تلقينهم مبادئ وأساسيات الممارسة
السياسية، وتمكينهم من اليات فهم مدخلات ومخرجات العمل السياسي، والأحزاب كما هي في التصنيف الكلاسيكي، أحزاب
يمينية موالية و أخرى يسارية منتقدة
ومعارضة تطمح الى التغيير.
فالأحزاب السياسية
الائتلافية تمارس تنشئة سياسية تخدم النسق السياسي، موظفة كل مقدرات النظام
السياسي في نشاطها، أحزاب المعارضة التي تمارس تنشئة سياسية لأعضائها وللجمهور من
خلال التعبير عن مواقفها المعارضة لسياسة الحكومة، وهي في ذلك توظف خطابا
إيديولوجيا و سياسيا متميزا، تسعى لأن يكون مقبولا من قبل الجمهور، وإلى امتلاك
وسائلها الخاصة في عملية التنشئة، كامتلاكها وسائل إعلام خاصة، صحف حزبية ومنشورات
وكتب،
أو قنوات بث إذاعي
وتلفزيون خاصة بالحزب، أو مستقلة ويكون للحزب تأثير عليها، وإذا كانت هذه الاحزاب
ذات أيديولوجية دينية فإنها تمارس عملية التنشئة السياسية من خلال المؤسسات
الدينية، وفي الدول المتقدمة التي تبلور فيها مجتمع مدني فاعل، تمارس الأحزاب
تنشئة سياسية من خلال النقابات والجمعيات النسوية والطلابية والنوادي الرياضية
ودور الثقافة التابعة لها أو التي لها عليها تأثير[21].
فالحزب هو أكبر من مجرد
أداة انتخابية أو تجمع يعبر عن الموقف السياسي لدى طائفة معينة من الجماهير، إن
الحزب يستطيع أن يوفر العمل لعدد كبير من الناس، وأن يجعل بينهم وبين الحكومة
القائمة صلات متنوعة، وهو يوفر المعلومات ويحقق التكامل بين الجماعات المختلفة،
ويقترح البرامج القومية، وبإيجاز فإنه يقوم بدور هائل في التنشئة السياسية [...]
فهي( أي الأحزاب) تؤثر في مجرى الاحداث السياسية في المجتمع، والاثار التي تتركها
هذه الاحداث في بنية و فعاليات وتقدم المجتمع ونهوضه [...] فهي تعمل على وضع
استراتيجيات للتنمية والتخطيط، لتطوير مجتمعاتها، لتغيير الوضع التقليدي السائد
وتبديله بما هو أفضل والتعجيل بتطبيق تكنولوجيا العصر واستخدامها لمحاربة التخلف و
البدائية والنمطية.
وعلى هذا الأساس يحدد
كل حزب برنامجا يميزه عن غيره من الأحزاب، بحيث يشمل هذا البرنامج كل ما يعمل على
حل المشكلات الجماهيرية الراهنة واقتحامها بما يحقق صالح الاقتصاد القومي وبما
يتفق و إمكانيات الدولة وبرامج الخطة التعليمية والسياسية التي ينادي بها الحزب
ويخطط لها[22].
من ثم، فالأحزاب
المختلفة تحمل تصورات تنموية نابعة من قناعاتها الأيديولوجية التي عليها أن تقنع
بها الجمهور العريض حتى يصوت عليها في الانتخابات للوصول الى السلطة. أي أن هذه
الأحزاب عليها أن تنقل أفكارها هذه وتصوراتها الى المواطنين المنتمين للحزب
والمتعاطفين وجمهور الناخبين، بالتالي فهي تكسب جزءا من الشعب الثقافة السياسية
السائدة في المجتمع عبر عملية تنشئة سياسية.
كما تعمل الهيئات
النقابية على نشر الوعي والثقافة الحقوقية، فالمعرفة القانونية تشجع على المطالبة
بهذه الحقوق كمدخلات سياسية تنتظر مخرجات النظام السياسي، وبذلك نكون امام تفاعل
سياسي للنظام القائم.
لكن يبقى السؤال مطروحا على طبيعة الحزب السياسي الذي يمكنه ان يقوم بوظيفة التنشئة السياسية، هل يمكن للحزب الإداري أن يقوم بهذه الوظيفة؟ هل الأحزاب التي غيبت المثقف الحزبي كما يقول غرامشي واكتفت بأصحاب المحفظات المملوءة يمكنها ان تقوم بوظيفة التنشئة السياسية؟ هل الأحزاب التي تمثل واحد في المائة من الشعب المغربي يمكن القول انها تقوم بوظيفة التنشئة السياسية؟ هل الأحزاب السياسية التي أصبحت مرتبطة بالنظام أكثر من ارتباطها بالفئات الشعبية يمكنها أن تهتم لوظيفة تتعلق بالتنشئة السياسية؟
الفرع الثالث: الديمقراطية و عملية التنشئة السياسية
تقتضي الديمقراطية
توزيع مجالات تدخل جميع السلط بكيفية تضمن التوازن للمجتمع، وفسح المجال لكل سلطة
أن تمارس اختصاصاتها دون تضييق عليها من سلطة أو السلط أخرى، ولما كانت مساهمة
مكونات المجتمع المدني الى جانب مكونات المجتمع السياسي مكفولة بالقانون في
المجتمع الديمقراطية، فإن مساهمة الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني ووسائل
الاعلام وغيرها من الهيئات في التنشئة الاجتماعية و السياسية مضمونة لهم على مستوى
التشريعات، في المجتمعات الديمقراطية الحقة، وفي المجتمعات الشبه ديمقراطية على حد
سواء.
إلا أنه على مستوى
الممارسة، يظهر الفرق شاسعا بين المجتمعين، فحرية الصحافة والصحافة المستقلة على
الخصوص، والمجتمع المدني والأحزاب السياسية في دول الشمال تضطلع بمهام التنشئة
السياسية والاجتماعية في ظل حماية قانونية ووعي مجتمعي بأدوارهم، ما يجعل منها
منافسا حقيقيا للتنشئة السياسية التي تسهر عليها الدولة.
في حين نجد ان
المجتمعات التي تدعي الديمقراطية لا تسمح لهذه الهيئات بالمشاركة في التنشئة
السياسية إلا من بعيد، ومن باب الادعاء، بشكل يبقي على هيمنة الطرح الرسمي، إذ
تمارس عليها كل اشكال الرقابة العلانية والمستترة، حيث ترسم لها الحدود التي لا
ينبغي لها تجاوزها، في قوانين الصحافة، و القانون الجنائي، وغيرها من التشريعات التي
تسيج مجال حرية الفعل والقول، بشكل لا يسمح لهذه الهيئات أن تشكل منافسا حقيقيا في
المشاركة تثقيف المواطن وتكوينه.
بذلك تستمر هيمنة
الدولة في إنتاج و إعادة إنتاج المواطن الصالح، المدعم للنظام السياسي والمحافظ عليه.
إلا أن التجربة أتبتت
أن الأنظمة التي خنقت مجتمعاتها عرف مصيرا مأساويا، حيث أن تراكم الاحتقان، يؤدي
الى الانفجار، لذلك وجب فسح المجال امام المجتمع المدني والسياسي للمشاركة في
بلورة مواطن يؤمن بالنظام ولا يخشاه.
1- إبراهيم ابراش، علم الاجتماع السياسي، ط: 1، دار الشروق للنشر والتوزيع،
عمان، الاردن، 1998، ص: 212 ./ انظر كذلك: رعد حافظ سالم الزبيدي، ، مبادئ التنشئة
الاجتماعية السياسية، دراسة نظرية تحليلية وتطبيقية مقارنة في علمي الاجتماع
السياسي والنفس السياسي، المكتب المصري للمطبوعات ، ص: 89.
2-رضا محمد هلال، التعليم والتنشئة السياسية في
العالم العربي نماذج البحرين، الاردن، الكويت، العراق، مصر، سلسلة دراسات، 2015،
معهد البحرين للتنمية السياسية ، ص: 16.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق