الخميس، 10 يونيو 2021

الفصل بين السلطات،l تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات.

تطبيقات مبدأ فصل السلطات

 

بعد ترسخ مبدأ فصل السلطات في الفكر السياسي الغربي، اتخذ تطبيقه أشكالا شتى، نتيجة تنوع تأويلات المبدأ، ما نجم عنه تنوع في الأنظمة السياسية تبعا لشكل و طبيعة العلاقات بين السلط الناتجة عن كل تأويل على حدة، حيث نجد النظام البرلماني، والنظام الرئاسي، و نظام الجمعية.

تطبيقات مبدأ الفصل بين السلطات


المطلب الأول: النظام البرلماني

يقول اندريه هوريو أن النظام البرلماني، هو نظام يحقق فصل السلطات المرن، خاصة في شكله الكلاسيكي، هذا النظام ظهر للمرة الأولى في إنجلترا  منذ او اخر القرن الثامن عشر[1]، حيث يسمح بإقامة توازن حقيقي بين مختلف المؤسسات والأجهزة، مقيما التعاون المتبادل بينها، مع السماح لكل سلطة بممارسة نوع من الرقابة والإشراف على السلطة الأخرى[2].

وبالتالي تدخل السلطة التشريعية في السلطة التنفيذية، وهذه الأخيرة في السلطة التشريعية عبر وسائل قانونية محددة. كما قامت البلدان التي تبنت هذا النظام بإدخال تحويرات و تعديلات تماشيا مع خصوصياتها المحلية، لهذا يمكن القول أن هناك عدة أنواع من التنظيمات السياسية تندرج ضمن النظام البرلماني[3].

ومع ذلك فإن هناك عناصر مشتركة تجمع بين مختلف تمظهرات النظام البرلماني، وباستجماع خصائص النظام البرلماني، نجده يقوم على عنصرين أساسيين هما : ثنائية السلطة التنفيذية، و التوازن والتعاون بين السلط.[4]

أولا: ثنائية السلطة التنفيذية

في النظام البرلماني المعاصر، وتماشيا مع التقليد البرلماني الخالص، السلطة التنفيذية تتكون من جهازين، رئيس الدولة ورئيس الحكومة[5].

أ‌-      رئيس الدولة:

يختلف رئيس الدولة في النظام البرلماني- ملكا كان أو رئيسا للجمهورية- عن شخص رئيس الوزراء، فكلاهما متميز عن الاخر بشخصيته وسلطانه ومسؤولياته[6]، رئيس الدولة ليس له دور نشط، السلطة الوحيدة له تتمثل في تنصيب الوزير الأول تبعا لنتائج الانتخابات البرلمانية، كما يقوم  بدور التحكيم السياسي في حالة الخلاف بين الأحزاب، إلا أنه يترك لهذه الأخيرة مهمة إيجاد حل[...] وبالتالي فرئيس الدولة لا يتحمل المسؤولية السياسية لغياب سلطات حقيقية، ومن ثم يمارس وظيفته طيلة حياته كما يقول الأستاذ عمر بندورو.

فالملك إذن يسود ولا يحكم، إلا أنه يجسد وحدة الدولة واستمراريتها، ويعتبر الرئيس الأول للبلاد وللسلطة التنفيذية، والوضع القانوني للرئيس يتميز بعدم مسؤوليته السياسية عن الأعمال والتصرفات المتعلقة بكافة شؤون الحكم، وذلك بعدم إمكانية إجباره مبدئيا على الاستقالة من طرف البرلمان قبل مدة ولايته القانونية، ودور رئيس الدولة في البرلمانات الكلاسيكية أصبح شكليا شرفيا، فالرئيس يجسد الأمة بإصدار القوانين وتوقيع المراسيم والمصادقة على المعاهدات الدولية[7].

ب - رئيس الوزراء:

الجهاز التنفيذي الثاني هو الحكومة، التي تحوز حقيقة السلطة التنفيذية، وبالتالي تسير السياسة العامة للوطن[...] هذه السلطة التي وصلت الى رئيس الحكومة عبر سيرورة تاريخية كما يقول دونالد ماكلاين : " السلطة انتقلت من الملك الى مجلس العموم، وانتقل جزء كبير منها الى الوزارة، ومن الوزارة الى الوزير الأول".

في الوزارة، الوزير الأول هو الذي يحوز الدور الأساسي، في الأنظمة الثنائية الحزبية رئيس الحزب الفائز في الانتخابات هو من يصبح عموما رئيس الحكومة ويمارس بالتالي سلطة حقيقية على الاغلبية.

وفي أنظمة التعددية الحزبية فتأثير رئيس الحكومة على أهميته هو أقل منه في نظام الثنائية الحزبية، كونه يحتاج الى  أخد قراراته جماعيا في إطار اجتماعات دورية للوزارة[8].

رئيس الحكومة يعد بمثابة أعلى سلطة سياسية و إدارية لمجلس الوزراء، فهو الذي يختار أعضاؤه و يقيلهم، ويعدل من نظام عمل وسير المجلس، ووجود الحكومة ككل مرهون بوجوده، فسقوطه لأي سبب كان، معناه سقوط الحكومة وفق المسؤولية الحكومية الجماعية التضامنية، وإذا كان للوزير الأول الحرية التامة في اختيار أعضاء الحكومة، فإنه يبقى مقيد بضرورة حصوله على الثقة من مجلس العموم[...] لرئيس الحكومة واعضائه اختصاصات هامة وواسعة، وهي تعكس بكيفية واضحة المهام المسندة للجهاز التنفيذي، فهو لم يرث السلطات الملكية فحسب، بل يعمل على تمثيل الشعب وفق التوجيهات العامة التي ثم انتخاب البرلمان وفقها لتجسيد إرادته وتطلعاته[9]، وفي معظم الانظمة البرلمانية وليس كلها، يختار رئيس الوزراء أعضاء وزارته من ضمن البرلمان، وبذلك يكون رئيس وأعضاء الوزارة هم أيضا أعضاء في السلطة التشريعية[...] وبالتالي عادة ما يوافق المجلس على مشاريع القوانين المقدمة لمجلس النواب دون أية صعوبات نظرا لتمتع الوزارة بتأييد أغلبية أعضاء السلطة التشريعية، وإذا فقدت الوزارة هذا الدعم، فإنها تدخل في أزمة سياسية قد

لا يكون المخرج منها إلا بسقوط الوزارة وحل البرلمان و إجراء انتخابات جديدة، ففي ظل النظام البرلماني لا يمكن للوزارة أن تستمر في مهامها إذا لم تتمتع بتأييد أغلبية أعضاء مجلس النواب، ولا يمكن للبرلمان أن يستمر إذا لم يكن منسجما مع الوزارة التي تملك قوة حله، و إجراء انتخابات جديدة للسلطة التشريعية[10].

ثانيا: تعاون السلط

يقرر النظام البرلماني  علاقة متبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، هذه العلاقة  تفضي بالنهاية الى تحقيق التوازن بينهما، وهي تقوم في طبيعتها على تدخل السلطة التنفيذية في بعض اعمالها بالسلطة التشريعية، وتدخل السلطة التشريعية في بعض أعمالها بالسلطة التنفيذية من ناحية أخرى[11].

أ‌-      تدخل السلطة التنفيذية في مجال السلطة التشريعية

يقرر النظام البرلماني بعض الاعمال التي تباشرها السلطة التنفيذية في ميدان السلطة التشريعية تتمثل فيما يلي:

-أعمال خاصة بتكوين البرلمان: رئيس الدول في النظام البرلماني هو الذي يدعو لإجراء الانتخابات السياسية، وتأتي تلك الدعوة عادة إما بعد حل المجلس النيابي قبل انتهاء مدته الدستورية، أو عند انتهاء المدة المقررة له، بالإضافة الى ما تقوم به الحكومة من إجراءات تتعلق بذلك، كتحديد موعد الانتخابات وتحرير الجداول الانتخابية والاشراف على العملية الانتخابية والرقابة عليها[12].

وتشترك السلطة التنفيذية مع الجهاز التشريعي في سن القوانين، ولها أن تقترح ما تراه أساسيا او ضروريا من مشاريع قوانين في هذا السياق، كما تقوم الحكومة بدعوة البرلمان للانعقاد في الدورات العادية او الاستثنائية.

النظام البريطاني يسمح بالجمع بين عضوية الحكومة وعضوية مجلس العموم، الشيء الذي يؤدي الى نوع من التعاون بين السلطتين، اذ يتمكن الوزراء من حضور جلسات البرلمان بصفتهم الرسمية، والاشتراك في المناقشات العامة داخل الجلسات دفاعا عن سياسة الحكومة وتوجهاتها الأساسية، والاشتراك في تقرير القوانين..

ويعد حق حل مجلس النواب أهم أنواع الرقابة التي تباشره السلطة التنفيذية على الجهاز التشريعي، والذي يؤثر به على تصرفات و عمل البرلمان، لذلك يكون من حق السلطة التنفيذية إنهاء حياة المجلس قبل مدته المقررة.

والحل، إما يكون رئاسيا أو وزاريا، فهو حل رئاسي إذا ثم عن طريق رئيس الدولة إذا حدث خلاف بينه و بين البرلمان و الحكومة، الهدف اقالة الحكومة المؤيدة للأغلبية، ويتم تعيين حكومة من الأقلية بعد حل البرلمان.

أما الحل الوزاري فيتم كذلك بطلب من الحكومة، لإنهاء الخلاف القائم بينها وبين البرلمان، ومصدر هذا الحل يعود الى المبدأ الدستوري القائم على أسس مفادها أنه عندما يحدث نزاع بين البرلمان والحكومة، فإن هذه الأخيرة بدلا من تقديم الاستقالة تلجأ الى حل البرلمان، والاحتكام الى هيئة الناخبين للتعرف على رأي الشعب.

بخصوص النزاع[13].

ب‌-  تدخل السلطة التشريعية في مجال السلطة التنفيذية

بالمقابل نجد أن النظام البرلماني وفي اطار المراقبة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية قد خول لهذه الأخيرة صلاحيات على السلطة التنفيذية لخلق توازن يضمن استمرار النظام السياسي في اطار المبادئ التي يهدف الى تحقيقها، وهكذا نجد:

-السؤال:

وهو حق لكل عضو من أعضاء البرلمان، يطلب من خلاله استفسارات حول مسألة تهم الشأن العام من الوزراء، لدى فالسؤال هو عبارة عن استفسار أحد أعضاء الحكومة في القطاع الذي يشرف عليه، بهدف لفت انتباه الوزير الى أمر من الأمور، و هو يعتبر مجرد علاقة بين عضو البرلمان والوزير المختص، لأنه يحصر المناقشة بينهما دون تدخل من أعضاء المجلس الاخرين[14].

-مسألة سحب الثقة:

في القرن السابع عشر قرر البرلمان البريطاني تحويل الاتهام الجنائي والاضرار التي قد تنتج عنه، الى مبدأ المسؤولية السياسية، وهي مسؤولية يتم اثارتها عند ارتكاب الوزير أخطاء جسيمة تضر بالمصلحة العامة، حتى في ظل غياب نص قانوني، واحتفظ مجلس اللوردات لنفسه بحق تحديد الجريمة والعقوبة التي تتناسب معها بعد تكييف الوقائع مصدر الفعل، ومع بداية القرن التاسع عشر كان مجرد الاتهام كافيا لإقالة الحكومة.[15]

-حق إجراء التحقيق:

يعني أن يقوم مجلس النواب بتشكيل لجان من بين أعضائه، مهمتها التحقيق في مسألة معينة مع الوزراء. كما أن للبرلمان الحق في أن يطلب من جميع الوزارات والمصالح المختلفة كل ما يلزم من مستندات وبيانات لإجراء مثل هذا التحقيق[16].

ولتفادي عدم الاستقرار الوزاري، والعودة المستمرة لحل البرلمان، الأنظمة المعاصرة وضعت حدودا دستورية، تشترط التصويت بالأغلبية المطلقة على اسقاط الحكومة، وبالمقابل ثم منع السلطة التنفيذية من حل البرلمان في حالات معينة.

قواعد اشتغال النظام البرلماني تعرف تغيرات تؤثر في تطبيقه، هذه التغيرات ترتبط بوجود الاحزاب السياسية التي ترهن طريقة اشتغال النظام وتؤثر فيه[17].

وإذا كانت السلطة التشريعية تهيمن على مجال الفعل السياسي في النظام البرلماني، فإن فصل السلطات قد أفرز لنا في الجهة المقابلة هيمنت السلطة التنفيذية في النظام الرئاسي.

المطلب الثاني: النظام الرئاسي

يشكل النظام الرئاسي نموذجا للتأويل الصارم لتطبيق مبدأ فصل السلطات عبر اعتماد الفصل المطلق بين سلطات الدولة الثلاث، وقد حدد الفقه الدستوري الأركان الرئيسية للنظام الرئاسي من خلال دراستهم واستقرائهم لدستور الولايات المتحدة الامريكية وبينوها فيما يلي:

1-حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة المنتخب من الشعب

2-الفصل الشديد بين السلطات

أولا: حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة.

إن أول ما يعرف به النظام الرئاسي في أنه النظام الذي ترجح فيه كفة رئيس الدولة في ميزان السلطات.

   ورئيس الدولة في النظام الرئاسي مناط به السلطة التنفيذية، هذا ما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الامريكية حيث جاء فيها " تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة" الذي يشغل هذا المنصب لمدة أربعة سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد، ولا يجوز بعدها تجديد هذه الولاية أي صورة من الصور[18].

فالرئيس هو الذي يجمع بين يديه السلط الموزعة في النظام البرلماني بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، الوزراء يسمون في الولايات المتحدة الامريكية سكرتير[...] يعتبرون كمساعدين للرئيس[19]، هؤلاء الوزراء المساعدين لا تربطهم أية علاقة مع البرلمان، ولا يمكن أن يكونوا موضوع أي سؤال أو استجواب من طرف

البرلمان الذي لا يمكن أن يقرر مسؤوليتهم السياسية، فهي مقررة فقط أمام رئيس الدولة وحده، وله كذلك الحق فيما يخص إقالتهم أو  تغييرهم بموظفين من أقربائه السياسيين دونما حاجة الى تصديق البرلمان أو موافقته[20].

أما على المستوى الدولي، فرئيس الدولة هو المسؤول بصورة أساسية عن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالدول الأجنبية، وهو الذي يعين السفراء والقناصل، و هو الذي يستقبل السفراء الاجانب ويجري الاتصالات الرسمية بحكوماتهم.

 ولذلك قيل بأن رئيس الولايات المتحدة الامريكية هو الدبلوماسي الأول[...]و بالتالي فالنظام الرئاسي وضع رئيس الدولة على رأس هرم الدولة و أناط به مجموعة واسعة من المهام وصفها ترومان في احدى خطبه،: بأنها مجموعة ضخمة و هائلة من السلطات تجعل قيصر و جنكيزخان ونابليون يقضمون أصابعهم حسرة وغيرة، ومن اهم هذه الصلاحيات:

-         رئاسة الدولة، ورئاسة السلطة التنفيذية

-         رئاسة الإدارة الفيدرالية، حيث يناط برئيس الدولة مهام تأمين سير المرافق العامة

-         قيادة الجيش وتوجيه العمليات الحربية

-         الصلاحيات التشريعية، حيث يملك الرئيس حق اصدار الأوامر واللوائح

-         حق العفو وتخفيض العقوبة

هذه هي اهم الصلاحيات المناطة برئيس الدولة في النظام الرئاسي الأمريكي في الظروف العادية، بل إنه يملك سلطات واسعة وكثيرة في الظروف الاستثنائية، منها الأمر بالاستيلاء على الأموال العامة، وتعبئة الأشخاص من أجل الدفاع عن الوطن[21]

ب- الفصل الشديد بين السلطات، والاستثناءات الواردة عليها

 يقوم النظام الرئاسي على استقلال السلطات العامة كل منها عن الأخرى، فالسلطة التشريعية تستقل مباشرة في ممارسة اختصاصها عن السلطة التنفيذية، والسلطة التنفيذية تستقل في ممارسة اختصاصها عن السلطة التشريعية[22]. 

أ‌-      مظاهر استقلال الكونجرس الأمريكي

-الكونجرس الأمريكي مستقل في ممارسة وظيفته التي تتمثل في سن واقتراح القوانين دون اي تدخل من قبل السلطة التنفيذية، ومن الناحية الواقعية، فإن أغلب اقتراحات القوانين تصدر عن مجلس النواب[...] ومهمة التشريع لا يمكن للكونجرس أن يفوضها للجهاز التنفيذي كما هو معمول به في بعض الأنظمة البرلمانية

-موافقة مجلس الشيوخ تعد ضرورية وفق الدستور الاتحادي كلما تعلق الامر بتعيين كبار موظفي الدولة حتى و إذا كان التعيين من طرف رئيس الدولة.

-كل معاهدة او اتفاقية يبرمها الرئيس يعتبر ضروريا موافقة الكونجرس عليها بأغلبية الثلثين، كما أنه يتمتع بسلطة واسعة فيما يتعلق بالرقابة والاشراف على سير العمل في جميع المرافق، والمصالح العمومية، وعلى الموظفين الفيدراليين[23]، كما لا يجوز لرئيس الدولة باعتباره رئيس السلطة التنفيذية دعوة البرلمان للانعقاد، أو فض اجتماع البرلمان، ولا تأجيل انعقاد دوراته أو حل البرلمان(الكونجرس)، كما لا يجوز الجمع بين عضوية كتاب الدولة والوزارة والعضوية في الكونجرس، او اشتراكهم في جلساته او اقتراح قوانين او حتى الاشتراك في المناقشة البرلمانية[24]، وبهذا نكون بصدد فصل كلي للسلط مع عدم تدخل أي سلطة في الأخرى.

ب - مظاهر استقلال السلطة التنفيذية

تستقل السلطة التنفيذية في مباشرة وظيفتها تمام الاستقلال، حيث يستقل رئيس الدولة بوظيفته التنفيذية، و يعتبر على قدم المساواة مع البرلمان، دون ان يكون للبرلمان(الكونجرس) أدنى نفوذ عليه، لأنه يستمد نفوذه من الشعب الذي يختاره، وبالتالي فهو(رئيس السلطة التنفيذية) يقوم بتعيين وزرائه وعزلهم دون أدنى تدخل من البرلمان، وتتحقق مسؤوليتهم أمامه فقط ولا تكون لهم علاقة مباشرة مع البرلمان، كما لا يجوز محاسبتهم عن أعمالهم امام البرلمان بتوجيه للأسئلة والاستجوابات اليهم او بتقرير مسؤولياتهم السياسية[25].وفي نفس السياق ينفرد الرئيس بالقيادة العليا للقوات المسلحة وهو الذي يتولى العمليات العسكرية، وفي حالة الحرب له اختصاصات شبه ديكتاتورية، إذ بإمكانه في سبيل الدفاع عن المصالح العليا للوطن مصادرة أموال الأشخاص، وعملت المحكمة العليا على جعل أغلب هذه السلطات حقا مكتسبا لرئيس الدولة[26].

إلا أن استقلال السلطتين عن بعضهما البعض لا تمنع السلطة التشريعية والتنفيذية من التعاون، و على العكس من ذلك، فهما مجبران على التعايش للحيلولة دون شلل المؤسسات والسقوط في الازمة السياسية.

الدستور الأمريكي لسنة 1787 التي طبقت نظرية فصل السلطات الجامد وضع وسائل دستورية تسمح بمراقبة كل منها للأخرى، عبر نظام التوازن والمراقبة.

فرئيس السلطة التنفيذية يتمتع أيضا بصفة تمثيلية واسعة تعطيه حق التدخل في شؤون التشريع[27]، وبالتالي يمارس رئيس الولايات المتحدة الامريكية حسب الدستور حق الاعتراض الشعبي[...]شريطة أن يتم ذلك في العشر أيام الأولى اللاحقة لموافقة البرلمان على القانون، ويترتب على ذلك إيقاف تنفيذ القانون، ويمكن للبرلمان التغلب على الاعتراض بموافقته مرة ثانية على نفس القانون محل الاعتراض بأغلبية ثلثي أعضاء المجلسين.

كذلك أصبح من حق الرئيس التوجه بتوصية او برغبة الى البرلمان بمقتضى الدستور الفيدرالي، وله في هذا الاتجاه أن يوصي بما يراه مناسبا، كأن يلفت نظر البرلمان لقانون معين بواسطة رسائل وبرقيات يبعث بها، وهي توصيات غير ملزمة للجهاز التشريعي ولا تفيده  بشيء، وهي مسألة أمر تحقيقها من عدمه تتوقف على شخصية الرئيس ومدى نفوذه[28]

والكونجرس بدوره له صلاحية الموافقة على التعيينات التي تقوم بها السلطة التنفيذية المتعلقة بكبار الموظفين الفيدراليين، كما يساهم الكونجرس في صياغة السياسة الخارجية عبر سلطة مراجعة المعاهدات[29].

ومعنى كل ما سبق الإشارة اليه، أن الحياة السياسية العملية في الولايات المتحدة الامريكية، أدت الى خلق نوع من التعاون والتعايش بين الأجهزة الحاكمة بواسطة مساطير و إجراءات نصدرها متطلبات العمل الحكومي اليومي وضرورة إنجاح سير المؤسسات في حدود ما يسمح به الدستور[...] الاتحادي ودستور كل ولاية على حدة[30].

ورغم الفصل الجامد للمؤسسات نظريا على مستوى الوثيقة الدستورية للولايات المتحدة الامريكية، إلا أن التنسيق بين الأجهزة والسلط يفرضه الاحتكاك الحاصل والمتواصل دوما بين نشاط السلط المنضوية تحت لواء الدولة الفيدرالية. فوحدة الدولة تستدعي بالضرورة حركية المعلومة داخل جميع الاجهزة ، الأمر الذي يستتبعه التنسيق حفاظا على أهداف الدولة الكبرى، وبالتالي فالفصل الجامد للسلط نظريا لا يمنع انسياب المعلومة المشتركة، وتخندق السلط وتقوقعها الامر الذي سيؤدي حتما الى شلل الدولة بمعناه السياسي، ومن ثم، فإن تأويل نظرية فصل السلط يعرف اتجاهات شتى افرزت لنا في احداها الاتجاه الثالث المتمثل في نظام الجمعة الذي يعرف هيمنه السلطة التشريعية في مقابل النظام الرئاسي والبرلماني.

المطلب الثالث: نظام الجمعية

ان نظام اندماج السلطات بمفهومه القديم يختلف عن مفهومه الحالي، فقديما كان الاندماج يتم في يد شخص واحد، او هيئة واحدة، فتباشر فيها التنفيذ والتشريع والقضاء، فتنعدم الرقابة بين الن السلطات، وتخرج الدولة عن مبدأ الشرعية وسيادة القانون، كما كان الحال سائدا في ظل الحكم الدكتاتوري والملكي المطلق.

أما حاليا، فإن الاندماج يتم لصالح هيئة شعبية نيابية، فيبقى هذا النظام في اطار صور الانظمة الديمقراطية النيابية، ويسمى النظام النيابي الذي يقوم على هذا الاندماج " نظام حكومة الجمعية"[31].

ينفرد بهذه الصورة من الأنظمة السياسية البرلمانية، النظام السويسري بمقتضى دستور 1848 الذي ثم تعديله سنة 1874. وهو نظام مؤسس على خضوع السلطة التنفيذية(المجلس الفيدرالي) للسلطة التشريعية(الجمعية الفدرالية) التي تنقسم الى مجلسين( المجلس الوطني، ومجلس الولايات).وتمارس السلطات الثلاث داخل الدولة، الجمعية الفدرالية، أي الجهاز التشريعي[32]، لأن نظام الجمعية يقوم على عدم المساواة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية[...] واندماج السلطتين في يد السلطة التشريعية ولصالحها، حيث تقوم السلطة التشريعية بمباشرة وظيفة التشريع وتعهد بالوظيفة الثانية و هي التنفيذ، الى هيئة أخرى يتولاها تحت اشرافها ومراقبتها [...] حيث يقوم البرلمان بتوجيه الحكومة، ورسم حدود صلاحياتها واختصاصاتها والاشراف على ممارستها لأعمالها[33].

ويعهد الى للبرلمان بالإضافة لمهامه الأساسية التشريع بشؤون الحكم و الإدارة وهو الذي يعلن الحرب، و يبرم المعاهدات، و يعين أعضاء المحكمة الفيدرالية، أما المجلس الفيدرالي فيمارس اختصاصاته تحت مراقبة الجمعية و تحت اشرافها[34].

تبعية السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية

يقوم نظام حكومة الجمعية على اندماج السلطتين التشريعية والتنفيذية وليس الفصل بينهما، بحيث تتجمع

السلطتين التشريعية والتنفيذية في يد البرلمان على اعتبار انه المنتخب من الشعب، والممثل الحقيقي له[...] ومن ثم فإنه الى جانب الوظيفة التشريعية، يتولى الوظيفة التنفيذية عن طريق تعيين الوزير الأول أو الوزير الأول والوزراء لإدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية تحت رقابة البرلمان وبتوجيه منه[35].

وبالتالي يتضح انفراد الجهاز التشريعي بالسلطة عبر الاختصاصات التي يحوزها كالتالي:

-التزام أعضاء المجلس الفيدرالي، أي السلطة التنفيذية، بتقديم تقارير سنوية عن أعمالهم للجمعية الفيدرالية بمجلسيها، -للجمعية الحق بمجلسيها توجيه استفسارات واقتراحات لأعضاء المجلس الفيدرالي بهدف تغيير السياسة العامة المتبعة، او قصد درس مسألة معينة، او من اجل اعداد مشروع قانون.

-المجلس الفيدرالي لا يملك في حالة حدوث نزاع بينه وبين الجمعية الفيدرالية التهديد او التلويح بحل المجلسين، او سحب الثقة ، او تقديم الاستقالة، وهي في كل هذه الحالات ليس لها- أي السلطة التنفيذية - أي اختصاصات فيما يخص تاريخ الاجتماعات، كالدعوة او التأجيل.

-أي خلاف بين الجمعية الفيدرالية بمجلسيها والمجلس الفيدرالي، يؤدي الى سحب الثقة من المجلس بعد استجواب، والمجلس في هذه الحالة لا يستطيع ان يقدم الاستقالة، بل يظل في الحكم مع تغير لسياسته في الاتجاه الذي يحدده الجهاز التشريعي، وله في هذا المجال الحق في استعمال جميع الوسائل المنصوص عليها قانونا لإخضاع السلطة التنفيذية لتلك المقتضيات[36].

ولا يقتصر حد التبعية عند تعيين البرلمان لأعضاء السلطة التنفيذية والاشراف على اعمالها، بل ايضا يتعدى ذلك الى حق البرلمان في تقرير المسؤولية في مواجهتهم فردا فردا، او جميعا معا، ولذلك لا يوجد في نظام حكومة الجمعية رئيس دولة غير مسؤول كما هو الحال في النظام البرلماني، وأنما تكون السلطة التنفيذية بكامل أعضائها مسؤولة امام البرلمان بما فيها رئيس الدولة[37].

كما تقوم الجمعية الفيدرالية بانتخاب أعضاء المجلس الفيدرالي وعددهم سبعة أعضاء لمدة اربع سنوات. هذا الخضوع للجمعية الفيدرالية من الناحية القانونية لا يجرده من التمتع باستقرار كبير، اعتبار لكون أعضائه قابلون للانتخاب لولايات متعددة غير محدودة، وهناك من الوزراء من احتفظ بكرسيه لمدة عشرون سنة، وينتخب الرئيس من أعضاء المجلس الفيدرالي سنويا[38].


 محمد بالخضار، باحث في القانون العام 



[1] الحاج قاسم محمد، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية – المفاهيم الاساسية والنظم السياسية، ط :5، 2011، ص: 112

[2]  محمد يحيا، الوجيز في القانون الدستوري للمملكة المغربية، ط: 5، 2010، مطبعة سبارطيل، طنجة ، ص: 204

[3] Omar Bendourou, Droit constitutionnel et Institutions Politiques, 3eme édition, 2011 p.167.

[4]  نعمان أحمد الخطيب، الوسيط في النظم  السياسية والقانون الدستوري، ط: 7، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2011، ص: 375

[5] Omar Bendourou, op.cit p:168.

[6]  نعمان أحمد الخطيب، م – س، ص: 376.

[7]  مذكور عند الحاج قاسم محمد، م – س، ص: 113

[8] Omar Bendourou, op.cit p:168-169.

[9]  محمد يحيا، م – س، ص: 208-209

[10]  نظام بركات، عثمان الرواف، محمد الحلوة، مبادئ علم السياسة، ط:7، 2009، العبيكان، ص: 197-198

[11]  نعمان احمد الخطيب، م – س، ص: 380

[12]  نعمان احمد الخطيب، م – س، ص: 380

[13]  محمد يحيا، م – س، ص: 211-212

انظر كذلك:-الحاج قاسم محمد، م – س، ص: 114

- Omar Bendourou, op.cit p:170.

[14] الحاج قاسم محمد، م – س، ص: 115

[15] محمد يحيا، م – س، ص: 213-214

[16]  الحاج قاسم محمد، م – س، ص: 115

[17] Omar Bendourou, op.cit p:170-171. 

[18]  نعمان احمد الخطيب، م – س، ص: 365.

[19]  Omar Bendourou, op.cit p: 164-165,

[20] محمد يحيا، م – س، ص: 198

[21]  نعمان احمد الخطيب، م – س، ص: 367-368.

[22]  الحاج قاسم محمد، م – س، ص: 116.

[23]  محمد يحيا، م –س، ص: 196-197


[24]  الحاج قاسم محمد، م – س،ص:116-117

[25]  الحاج قاسم محمد، م – س/ ص: 117.

[26]  محمد يحيا، م – س،198-199.   انظر كذلك:

- Omar Bendourou, op.cit p: 166

[27]  نظام بركات، عثمان الرواف، محمد الحلوة، م – س، ص: 202

[28]  محمد يحيا، م – س، ص: 199.

[29]  Omar Bendourou, op.cit p: 166

[30]  محمد يحيا، م –س ، ص: 200.

[31]  مذكور عند نعمان احمد الخطيب، م – س، ص: 386

[32]  محمد يحيا، م – س، ص: 192.

[33]  نعمان احمد الخطيب، م – س، ص: 386-387.

[34]  محمد يحيا، م – س، ص: 192.

[35]  مذكور عند نعمان احمد الخطيب، م – س، ص: 388.

[36]  محمد يحيا، م – س، ص: 194.

[37]  نعمان احمد الخطيب، م – س، ص: 388-389.

[38]  محمد يحيا، م – س، ص: 192.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الدولة،l أزمة الدولة في ظل العولمة

  أزمة الدولة في ظل العولمة إن مسار تطور وظيفة الدولة حملها من القوة الى الضعف، بالقول؛ أن جبروت الدولة الذي ظهر في الحرب العالمية الأولى ...