الثلاثاء، 15 يونيو 2021

الدولة،l أزمة الدولة في ظل العولمة

 

أزمة الدولة في ظل العولمة

إن مسار تطور وظيفة الدولة حملها من القوة الى الضعف، بالقول؛ أن جبروت الدولة الذي ظهر في الحرب العالمية الأولى والثانية، وقوته التدميرية الهائلة، يجب تحجيمه، و التحكم فيه، و لِمَ لاَ إضعافه، بتوسيع مجال تدخل القطاع الخاص الى جانب القطاع العام، لخلق التوازن لفائدة السلم و الأمن الدوليين.

أزمة الدولة في ظل العولمة

و هكذا، انهالت اليات التدبير الجديدة، المؤطرة بالنظريات السياسية، بخفض الانفاق العمومي وتقليص عدد الموظفين، و دعم مسلسل الخوصصة، و إخراج القطاعات الاجتماعية الى مجال المنافسة بالقطاع الخاص، و فسح المجال للرأسمال و قانون السوق والمقاولة لتنظيم الاقتصاد الوطنية، و غيرها من الإجراءات الجديدة.

 و من تم، لم تعد الدولة والقطاع العام الفاعل الوحيد داخل الدولة، ولا المقرر الوحيد للشأن العام، و استمر صراع القلب والأطراف بالضغط كلما سنحت الفرصة على الدولة للانكماش أكثر، بدعم من الشركات العابرة للقارات، و المنظمات الدولية ذات الصلة بالتجارة الدولية، الى أن، وصلت الى حالة من الضعف، لم تعد معها قادرة على مقاومة ابتزاز رؤوس الأموال الدولية، و أصبحت رهينة للأسواق المالية الدولية، التي تفرض على أقوى الدول شروطا لا ترد.

و مند انهيار جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفياتي، وتتويج الليبرالية على رؤوس الدول، سيعرف هذا المسار تسارعا ملحوظا، بفقدان التوازن الدولي و تعميم التوجه الليبرالي على باقي العالم، حيث ستنتقل اغلب اقتصادات العالم الى التوجه الليبرالي، و النيوليبرالي فيما بعد، لِيُحكم على الدولة بالضعف العام، و مسايرتها التلقائية لتوجيهات السوق، ما شكل تحديا حقيقيا للأحزاب السياسية التي تدافع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي كانت أهم ضحايا النيوليبرالية.

 الأمر الذي مَهد لأزمة الديمقراطية التمثيلية اليوم، حيث نفتقد التعددية السياسية، و تنوع البرامج الحكومية  يمينا و يسارا ، و السياسات الاجتماعية و فعالية الأحزاب السياسية، وبقي هذا التنوع السياسي و البرنامجي حبيس الحملات الانتخابية،  و لا يصل إلى البرامج الحكومية  في ظل دولة مُعولمة، خاصة الدول التي شهدت ما سمي بالربيع العربي.

فالدولة الحديثة في هذه المنطقة قد تشربت المقومات السياسية والاقتصادية للإيديولوجية الليبرالية بشكل سريع منذ ثمانينيات القرن الماضي، مع سياسات التقويم، و أصبحت ترى خلاصها التنموي في اقتصاد السوق، مع ترددها المستمر على خزائن البنك الدولي و صندوق النقد الدولي، و الشروط المرافقة لهذه الديون، خاصة شروط وزارة الخزانة الأمريكية، التي سماها أحد المشاركين في صياغتها ب " إجماع واشنطن "، في حين سماها نقادها و أعداؤها " بالليبرالية الجديدة " التي تدعوا إلى الحد من تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية، و نقل مسألة العدالة الاجتماعية من الاقتصاد الجزئي إلى الاقتصاد الكلي، ومن تم، أصبح الحفاظ على هذه العدالة الاجتماعية رهين بالحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية ، كما صاغها كنز في نظريته العامة سنة 1936.

و نهج سياسة التقشف الحكومي، و وضع دولة الرفاه في خدمة المنافسة بين الشركات  و الدول والأفراد، وبذلك تم سحب بعض القطاعات الاجتماعية، خاصة الصحة والتعليم، من المجال العمومي، تحت اشراف الدولة، الى  المجال الخاص، أي مجال المنافسة، وجشع المضاربين.

 بمعنى أنه تم تقليص وتجريد القطاعات الاجتماعية من الحماية التي توفرها لها الدولة، و تُرك مصيرها لقانون السوق النيوليبرالي، الذي يشتغل وفق مقولات غير اجتماعية تماما، من قبيل : "  إن مراعاة البعد الاجتماعي و احتياجات الفقراء أصبحت عبئا لا يطاق " و " إن دولة الرفاه تهدد المستقبل، و إنها كانت مجرد تنازل من طرف رأس المال إبان الحرب الباردة، و إن ذلك التنازل لم يعد له الآن ما يبرره بعد انتهاء هذه الحرب ". أو الادعاء، " بأن شيئا من اللامساواة بات أمرا لا مناص منه.

و لطيلة عقود التزمت هذه الدول بهذا النهج اللاَّشعبي، حتى تصلبت،  وفقد القدرة على التعاطي مع أي سياسة حكومية  ذات بعد اجتماعي. ما أدى الى تراكم العجز في المجال السوسيو اقتصادي، في ظل هذا الوضع، فقدت الأحزاب السياسية و بالتدريج، القدرة على التأثير في القرار السياسي لفائدة قواعدها، التي ما فتئت تتآكل، مع تنامي الانتقادات، لعجزها عن الاضطلاع بوظيفة الوساطة السياسية، و استفراد الليبرالية بقيادة توجه الدولة، و بالنتيجة فُقِدت التعددية السياسية.

 

 محمد بالخضار، باحث في القانون العام

 

الدولة،l أزمة الدولة في ظل العولمة

  أزمة الدولة في ظل العولمة إن مسار تطور وظيفة الدولة حملها من القوة الى الضعف، بالقول؛ أن جبروت الدولة الذي ظهر في الحرب العالمية الأولى ...